على امتداد حرب الاستنزاف التي خاضتها الجزائر ضد المغرب منذ استرجاع أقاليمه الجنوبية، كان المغرب في كل مرحلة يحصن مواقعه ويسجل نقطا ضد دولة العصابة بالشرق، سواء في أوج الحرب العسكرية بين جنود المغرب من جهة وعسكر العصابة ومرتزقة البوليساريو من جهة ثانية، أو في المرحلة التي تلت وقف إطلاق النار عام 1991 إلى عام 2004، وما ميزها من إقبار مسلسل تحديد الهوية، أو في المرحلة التي انطلقت بعد 2004 عقب تجييش الجزائر للمنظمات الحقوقية الدولية ضد المغرب وإرشائها للتشويش على أحقية المغرب في استكمال وحدته الترابية.
وإذا كان المغرب في كل مرحلة من تلك المراحل يسجل نقطا ضد دولة العسكر، فإن النقطة الكبرى التي حسمت المعركة هي تلك المرتبطة بإصرار المغرب على إخراج أساسات العمران من قلب رمال صحرائه المسترجعة، وهو العمران الذي سطره المغرب كعقيدة بالتوازي مع عقيدة تأمين الحدود ضد كل غارات العدو الجزائري وصنيعته البوليساريو. لدرجة أن المرء يبتهج وهو يرى مستوى إعمار الصحراء مقارنة مع مستوى إعمار مدن صحراء الجزائر، التي مازالت تعيش في عصور حجرية لم ينفعها مخزون النفط ولا احتياطات الغاز الهائلة لتتحول إلى واحات يرفل فيها الجزائري في "النعيم".
وبقدر ما يعتز المغربي بالحروب العسكرية التي خاضتها القوات المسلحة الملكية وربحتها ميدانيا ضد عصابة العسكر بالجزائر، ويفتخر بالحروب الدبلوماسية التي خاضها جنود الخفاء المغاربة التي توجت بتحصين الجدار الدبلوماسي حول الصحراء عقب اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء واصطفاف ألمانيا وإسبانيا حول المقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي وسحب العديد من الدول لاعترافها بالبوليساريو، فإن المغاربة ينتشون بقوة بحرب أخرى أكثر دمارا وسحقا لعصابة الجزائر والبوليساريو، ألا وهي حرب "تنمية الأقاليم الجنوبية" التي لم يبخل فيها أي مغربي في المساهمة بنصيب مادي، لتحويل الداخلة والعيون وبوجدور والسمارة وأوسرد إلى منارات وجسور بين المغرب وعمقه الإفريقي. هذه الحرب التنموية التي اكتوى بلهيبها عسكر الجزائر وخنقت أطماعهم وكتمت أنفاسهم، ازداد سعارها حين اعتمد المغرب مخططا تنمويا عام 2015 تحت إشراف الملك محمد السادس، القاضي بضخ 77 مليار درهم لإقلاع مدن الجنوب، وأضيف اعتماد آخر قدره 8 ملايير درهم، ليصبح الغلاف هو 83 مليار درهم، لإنجاز عدة مشاريع مهيكلة ستعود بالنفع ليس على الأقاليم الصحراوية فحسب، بل وعلى كافة التراب الوطني (من أهمها ميناء الداخلة الأطلسي والطريق السريع تيزنيت-الداخلة، وحظائر الطاقة المتجددة، والمركب الصناعي الفوسفاطي، إلخ...).
إن الانتصارات المغربية الأخيرة عسكرية كانت (تطهير معبر الكركرات من عصابة البوليساريو) أو دبلوماسية (سحب العديد من الدول اعترافها بالبوليساريو وفتح قنصليات بالعيون والداخلة) لا ينبغي أن توقف مسلسل حرب العمران والإعمار بالصحراء. إذ بقدر ما يسير مخطط تنمية الأقاليم الجنوبية وفق الجدولة المرسومة له، على المغرب التفكير - انطلاقا من اليوم- في اعتماد مخطط تنموي آخر من جيل جديد بالأقاليم الجنوبية يشرع فيه فور استكمال مخطط 2015\2022، حتى يتم ردم عصابة الجزائر ردمة نهائية في رمال صحراء المغرب.