في سنة 2009 نزل توفيق الإبراهيمي بالمظلة بالجمع العام العادي الجامعة الملكية المغربية للسباحة. نزل حاملا الكثير من الوعود المعسولة جعلت الأندية تسلم جميع مفاتيح التسيير وتترك له اختيار أعضاء المكتب الجامعي حتى ولو انعدمت فيهم شروط العضوية.
إعداد: محمد شروق
- وعد الإبراهيمي بتأهيل المسابح وتحسين شروط استغلالها وببناء مسابح جديدة في إطار مراكز الرياضية للقرب،
- وعد بتنظيم دورات تكوينية داخل المغرب وخارجه للاطر التقنية والإدارية،
- وعد بتوسيع قاعدة الممارسين والتشجيع على خلق أندية جديدة،
- وعد بتحفيز السباحات والسباحين بتقديم منح وتنظيم دورات تدريبية،
- وعد بخلق عصب لتأطير الأندية المحلية،
- وعد بجلب الدعم المالي عبر شراكات واتفاقيات...
وعود أخرى كلها تبخرت ولم يتحقق منها ولو نسبة ضعيفة، وعد واحد تحقق هو الرفع من قيمة المنحة التي تقدمها الوزارة إلى الجامعة، والتي تضاعفت بأزيد من خمس مرات لترقى إلى المليار ستنيم. لكن صرف هذه المبالغ بقي بدون مبررات حسابية مما جعل الوزارة في عهد الوزير أوزين توقف أي دعم للجامعة. هذا القرار الوزاري دفع المكتب الجامعي الى الدخول في عملية «شونطاج» بإصدار قرار في 13 نونبر 2012 أمضاه نائب الرئيس يقضي بتعليق برنامج الجامعة الوطني والدولي.
الأندية الوطنية فوجئت بهذا القرار الجامعي وعبرت عن رفضها له في مراسلة للوزارة الوصية في 20 نونبر 2012 وأكدت أن مثل هذا القرار يجب أن يتخذ في جمع عام استثنائي، كما عبرت الأندية عن وقوفها إلى جانب الوزارة في أي مسعى يهدف إلى صالح رياضة السباحة المغربية.
اختلالات إدارية، مالية وتقنية
كانت الأندية قد أصدرت بلاغا عددت فيه بعض الاختلالات التي تطال تسيير الجامعة على المستوى الإداري المالي والتقني. وأشارت على الخصوص إلى عدم توفر بعض الأعضاء من المكتب الجامعي على الشروط القانونية لعضوية المكتب المذكور وعدم تعيين أعضاء اللجان الفنية والغياب التام للتواصل مع الأندية وإلغاء بطولة العالم للشباب التي كان مقرا تنظيمها ببلادنا في الصيف المقبل بالمغرب، وكذا ضياع المغرب لمنصبه كنائب لرئيس الاتحاد الإفريقي للسباحة وعضوية الاتحاد الدولي، وعدم الالتزام تجاه المديرة التقنية الفرنسية الجنسية التي اشتكت المغرب لوزارة الرياضة ببلادها، كما فضحت في رسالة استقالتها سوء التسسير والتدبير بالجامعة.
ومن بين الخروقات المالية التي تم الوقوف عندها في البلاغ صرف مبلغ ستة ملايين درهم خلال البطولة الأفريقية التي احتضنها المغرب، علما بأن الوفود المشاركة أدت للجامعة جميع نفقات الإقامة والإعاشة، مما جعل الجامعة المغربية تتحمل فقط مصاريف الحكام وبعض الأمور العادية. هذا إضافة إلى مداخيل الاستشهار التي لم يتم الإعلان لا عن غلافها ولا عن مصيرها.
كما أشار البلاغ إلى جهل مصير مبلغ مليون وخمسمائة ألف درهم رصدتها وزارة الشباب والرياضة لترميم وإصلاح المسبح الاولمبي الموجود تحت مدرجات ملعب كرة القدم لمركب محمد الخامس. كما أن الجامعة خصصت أجرا يصل إلى أربعين ألف درهم لمديرها الإداري، إضافة إلى شراء سيارة خاصة له. وتناول البلاغ تراجع مردودية السباحات والسباحين المغاربة، وقدم مثالا صارخا على ذلك. ففي سنة 2009 أحرز منتخب الشبان المشارك في البطولة العربية للناشئين بالأردن على 25 ميدالية منها 06 ذهبيات، بينما اكتفى نفس المنتخب الذي شارك في نفس البطولة سنة 2012 بالجزائر بإحراز 05 ميداليات فقط وبدون أية ميدالية ذهبية، ناهيك عن الحضور الباهت والمتواضع في البطولة الأفريقية التي جرت بنيجيريا، ثم تلك المخجلة في بطولة العالم للشباب التي أقيمت بالبيرو، حيث ذيل السباحون المغاربة نتائج مختلف المسابقات.
ولم يفت البلاغ الإشارة إلى التراجع الكبير الذي عرفه المغرب على صعيد كرة الماء، حيث لم يعد قادرا على المنافسة حتى على الصعيد المغاربي، وذلك بسبب انعدام تربصات المنتخب الوطني وعدم إجراء بطولة المغرب وكاس العرش لهذه الرياضة المائية.
رفع مبلغ الانتقال، النقطة التي أفاضت الكأس
أكثر من هذا فإن العديد من الأندية كانت قد راسلت في أبريل 2012 الوزير أوزين مباشرة بعد اعتقال الابراهيمي رئيس الجامعة في ما يعرف بملف «كوماناف»، ودعته إلى الإعلان عن جمع عام استثنائي لأن وضعية الجامعة أصبحت غير قانونية باعتبار أن باقي أعضاء المكتب الجامعي معينون من طرف الرئيس وليسوا منتخبين.
الوزارة المعنية بقيت في وضع الانتظار والترقب دون اتخاذ أي قرار حازم، بل وستفاجأ في 15 أكتوبر 2012 بقرار اتخذه ما تبقى من المكتب الجامعي وبعض الأندية الذين اجتمعوا حول مائدة مستديرة، ويتعلق الأمر بالنقطة التي ستفيض الكأس، أي الرفع من مبلغ انتقال السباحين من نادي إلى آخر. فبجرة قلم ارتفع هذا المبلغ من 500 درهم إلى 15 ألف درهم، بل وقد تصل إلى ضعف هذا المبلغ. علما بأن آخر أجل للانتقال هو 30 من شهر أكتوبر مما يوضح خلفية إصداره هذا القرار.
هذا القرار دفع مصطفى المستقيم، رئيس الجمعية الوطنية لآباء وأمهات السباحين والسباحات، وكاتبها العام أحمد مامي، للتعبير عن تذمرهما، معتبرينه مجحفاً وغير قانوني ويضر بمصلحة السباحات والسباحين وبالرياضة عموما.
وقد نظمت الجمعية التي تأسست في 02 دجنبر 2012 عددا من الوقفات الاحتجاجية أمام مقر الجامعة وأمام مسبح مركب محمد الخامس للتنديد بهذا القرار الجائر. كما التقى ممثلو الجمعية بمدير الرياضات السابق والحالي وببعض موظفي وزارة الشباب والرياضة، واستبشر مكتب الجمعية خيرا لطريقة التحاور، خاصة وأن الجميع يؤكد باسم الوزير عدم قانونية القرار، وأنه مناف لروح القانون الجديدة الملائمة لقانون التربية البدنية 30/09 الذي ينص في بنده 31 على أن أي تغيير يجب أن يتم عبر جمع عام وأن يحظى بموافقة الوزارة. وكانت الجمعية قد أحاطت وزير الشباب والرياضة بما يجري داخل الجامعة من أجل دفعه إلى تصحيح وتقويم مسار هذه الجامعة التي عوض أن تساهم في تطوير الأداء، تقوم بإصدار قرارات تحد من النشاط الرياضي.
وفي السياق نفسه، يتساءل الإطاران مستقيم ومامي عن دور اللجنة الأولمبية الوطنية، وعن دور الوزارة الوصية، حتى يظل الجميع مستقيماً مع القانون ومع مضامينه التي تضمن الحقوق وتتكفل بالواجبات. ومن أولى الحقوق التي يطالبان بها أن توفر الأجهزة المسؤولة عن الرياضة الوطنية الشروط الضرورية للممارسة ووضع آليات واضحة لضمان النجاح. لكن يبدو، ومن خلال العديد من القرارات التي اتخذتها جامعة السباحة، أن هذه الأخيرة لا تتوفر على الحد الأدنى من التفهم والروح الرياضية، التي هي شرط أساسي لتحمل المسؤولية.
ويطالب الآباء والأولياء الوزير الذي هو المشرف والوصي على القطاع بالتدخل من أجل إنصاف فلذات أكبادهم الذين يعولون بالأساس على الدعم المادي والمعنوي الذي يمنحه الآباء بعيداً عن كل حساب، وعن كل رهانات انتخابية ضيقة.
وعن خلفية إصدار قرارالرفع من قيمة الانتقال يشرح مستقيم ومامي أن الهدف الأساس هو حماية مصلحة فريقين يهيمنان على المكتب الجامعي وهما الرجاء والجمارك. ففي غياب شروط التداريب بمسبح مركب محمد الخامس، والتي يستحيل في ظلها خلق أبطال قام الاتحاد الرياضي بتأهيل مسبحه الذي كان مغلقا داخل مركبه بعين السبع ووفر فضاء للممارسة الجيدة، مما حمس عددا كبيرا من السباحات والسباحين إلى الانتقال إليه. وهذا ما دفع صانعي القرار إلى وضع شرط أربع سنوات من عمر النادي الذي بإمكانه استقبال السباحين، علما بأن نادي الاتحاد الرياضي للسباحة لم ير النور إلا قبل سنتين.
كل هذه المناوشات، يقول الإطاران مستقيم ومامي، أثرت على مردود السباحين الدراسي، بل إن عددا منهم لم يعد يحضر للتداريب وفضل الغياب في انتظار أن تتضح الرؤية وتقوم كل جهة بمسؤوليتها.
في هذا السياق دخلت العصبة المغربية لحقوق الإنسان على الخط بعد توصلها بشكاية من الجمعية الوطنية لأمهات وآباء السباحين، وأصدرت بلاغا طالبت فيه بفتح تحقيق في التجاوزات والاختلاسات التي تعرفها جامعة السباحة منذ مدة وإعمال مبدأ المحاسبة بإحالة الملف على الجهات القضائية.
ندوة صحافية لإخبار الرأي العام
أمام الركود والجمود الذي تعيشه السباحة المغربية، بادرت مجموعة من الأندية إلى عقد ندوة صحافية بمدينة الدارالبيضاء مساء الخميس 14 فبراير 2013 تحت شعار «السباحة المغربية تغرق تغرق وتستغيث»، استعرضت خلالها الوضعية الكارثية التي توجد فيها هذه الرياضة منذ صعود المكتب الجامعي الحالي سنة 2009، وخاصة بعد اعتقال رئيس الجامعة توفيق الإبراهيمي المعرف في إطار ما يعرف بملف «كوماناف».
أحمد زكي رئيس الوداد الرياضي طالب باسم الأندية المنظمة للندوة الوزارة الشباب والرياضة بتحمل مسؤوليتها لإنقاذ السباحة من المأزق الخطير التي تعاني منه بعد البلاغ الصادر عن المكتب الجامعي الصادر في 13 نونبر 2012، والذي أعلن فيه توقيف جميع الأنشطة المتضمنة في البرنامج الوطني والدولي بمبرر عدم صرف منحة الوزارة. وهذا ما جعل البطولة لم تنطلق بعد ومنافسات كأس العرش ألغيت والمغرب لن يشارك لأول مرة في المنافسات الجهوية، القارية والدولية. وقال زكي إنه على المجلس الأعلى للحسابات للتحقيق في ملف الفساد المالي والإداري داخل جامعة السباحة، لأن ما صرف من طرف المكتب الجامعي بدون سند قانوني هو مال عام.
وفي باب الخروقات المالية التي تم الوقوف عندها في الندوة، إضافة إلى ما تضمنه البلاغ المشار إليه أعلاه صرف مبلغ 750 مليون سنتيم لإصلاح مركز بوركون أنفقته الجامعة عبر منحة مباشرة من الوزارة دون أن يظهر أثر لهذا المبلغ الكبير على أرض الواقع، مما دفع رئيس الوداد إلى الحديث عن خرق واضح لقانون الصفقات العمومية وتبييض أموال شبيه بتبييض الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات.
وهدد المشاركون في الندوة باللجوء إلى القضاء في حالة عدم تحرك الجهات المعنية أمام وضوح هذه الاختلالات واستمرار الوضع على ما هو عليه من جمود قاتل لرياضة السباحة.
الوزارة تعد قرارا لإنعاش رياضة السباحة
أمام هذا المصير المؤلم الذي آلت إليه وضعية السباحة المغربية، اتصلت «الوطن الآن» بحميد فريدي، المستشار بديوان الوزير اوزين، والذي أكد عبر الهاتف أن الوزارة ضد إقصاء أي طرف فاعل في رياضة السباحة. وأنهم داخل الوزارة يرفضون القرار «المفاجئ» القاضي برفع مبلغ انتقال السباحين من ناد إلى آخر، لأن كل القرارات، حسب المستشار، يجب أن تتخذ داخل جمع عام وليس من خلال تنظيم مائدة مستديرة. وأضاف أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فستضطر الوزارة إلى اتخاذ قرار حازم في الموضوع دون أن يفصح عن فحوى القرار علما انه شدد أن الأمر لن يتعلق بحل الجامعة وتنصيب لجنة مؤقتة.
وهذا ما يبقي السؤال المطروح بحدة: إلى متى ستبقى وزارة الشباب والرياضة تطلق التهديد والوعيد وهي عاجزة عن التدخل لإعادة الحياة إلى جامعة السباحة؟ وهل يجيد أوزين الغوص في الماء حتى يستطيع إنقاذ السباحة من الموت؟ أما الغرق فإنها تستغيث منه منذ مدة.
هكذا فقد المغرب مقعدا بالاتحاد الافريقي للسباحة
في انتخابات الاتحاد الأفريقي للسباحة التي جرت السنة الماضية بالعاصمة الكينية نيروبي، أصر نائب الجامعة رشيد أبو زيد على الترشيح لعضوية الاتحاد رغم انعدام أي حظ في انتخابه. في حين أن المغرب كان يملك كافة الحظوظ في إعادة انتخاب فريد العلام، الرئيس السابق للجامعة الملكية المغربية للسباحة، الذي يملك علاقات وطيدة على الساحتين الإفريقية والدولية، وكان يحظى أيضا بتزكية وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية الوطنية.
نائب رئيس الجامعة الذي تعنت في موقفه لم يحصل إلا على صوت المغرب، في حين فازت بالمقعد المرشحة الجزائرية عفان زازا السباحة السابقة وبطلة إفريقيا.
ورغم أن فريد العلام لم يستطع الترشح باسم المغرب، فقد تشبث به الاتحاد الأفريقي وعينه رئيسا للجنة الدولية لكرة الماء، ومن ثم صعد إلى عضوية اللجنة الفنية للاتحاد الدولي للسباحة.