وأنا أتجول خلال عطلتي الأخيرة في بعض مدن ومراكز الشمال؛ بالخصوص الفنيدق؛ المضيق؛ مارتيل وتطوان…لم يكن لألج متجرا أو مقهى أو فضاء عموميا دون ان يتناهى الى اذني الحديث عن التهريب بمعبر باب سبتة وما ترتب عن اغلاف هذا المعبر اواخر ديسمبر 2019 من تبعات اقتصادية واجتماعية للعديد من الأسر والعائلات.
ولاحظت ان أغلبية الحديث هذا يروج أكثر بين صفوف النساء وحول النساء؛ واعتقد انه لا غرابة في ذلك لمن هو متتبع لمثل هذه الملفات؛ لأنه -وكما يعلم الجميع- كانت هناك المئات من النساء يشتغل في تهريب السلع او حملها من معبر سبتة ومليلية المحتلتين حتى أصبح هذا الموضوع لصيقا بالمرأة والنساء اللواتي سلبن من كرامتهن من أجل لقمة العيش.
وبما أن عطلتي هذه تزامنت وبداية شهر مارس حيث نعيش على أيقاع الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة فأول ما تبادر الى ذهني وتفكيري هو فئة من نساء مغربنا الحبيب؛ نساء فرض عليهن التخلي عن كرامتهن وانسانيتهم من أجل العيش؛ اقول فرض عليه لأنه ليس اختيارا ان يشتغل في التهريب وليس اختيارا أن يشتغل في "الممنوع" انهن نساء معبر سبتة ومليلية؛ أنهن نساء كتامة.
الكل ينظر الى كتامة وزراعة القنب الهندي أنه مصدر جمع الاموال؛ انهم لا يعلمون بما تعانيه نساء هذه البقعة الأرضية من المغرب؛ انها ويلات الجحيم والعذاب؛ فجميع مراحل زراعة القنب الهندي واعداده يكون فيها للمرأة الدور الرئيسي وهي ليست بالمراحل السهلة في اقاصي هذا الوطن وجباله؛ نساء يعشن تحت عتبة الفقر وفي ظروف اجتماعية وصحية جد مزرية.
ورغم البدائل التي حاول بلدنا ايجادها لقرار اغلاق معبر سبتة ومليلية المحتلتين؛ فان الواقع يؤكد ان ثمة "ضحايا نسائية" بالمئات وليس من السهل ادماجهن على الفور في منظومة اقتصادية تحترم حقوقهن وكرامتهن الادمية؛ بل تدعيات الامر تجاوزت هذا القرار الى اسر وعائلات ليس بشمال المغرب وفقط؛ بل امتدت الازمة جنوبا وشرقا وغربا.
لا ينكر احد ان الدولة حاولت قد الامكان والمستطاع تجاوز مختلف آثار وتبعات هذا المشكل الاقتصادي والاجتماعي الذي "سكن" المنطقة لعقود من الزمن؛ ولكن الوضع اتخذ تعقيدا وأبعادا أخرى بعدما تشكل من هذه "الهشاشة" لوبيا اقتصاديا ضخما؛ لدرجة أصبح هذا اللوبي اخطبوطا تمتد اذرعه من الاقتصاد إلى السياسة؛ واضحى "الجانب الاجتماعي" باب ضغط لدى البعض وفرصة تسول لدى البعض الأخر.
إن هؤلاء النساء يظلن -وليومنا- هذا بعيدات عن مؤشرات واهتمامات البرامج التنموية للحكومة لأنه ببساطة يعشن في هامش الهامش؛ وللأسف الشديد هن بعيدات ايضا عن اهتمام حتى اغلب المنظمات والجمعيات النسائية ومختلف فعاليات المجتمع المدني المحلي؛ الوطني والدولي؛ وايضا بعيدات حتى عن الاعلام بعدما اصبح الكل منكبا على "نضال اللوكس"
دائما وحين اتابع هذا الاحتفاء؛ يتبادر الى ذهني ما هو نصيب مثل هذه الفئات من مجتمعي من الاهتمام؟ ماذا خصصت المنظمات النسائية من برامج نضالية وتحسيسية وترافعية -قبل الدولة-لهؤلاء النساء المهمشات؛ كم كان نصيب نساء كنامة ومعبر سبتة ومليلية من الاهتمام وما طبيعة هذا الاهتمام.
كم أتمنى ان ارى يوما صورة لقياديات وطنية مفترشات رقع ملابس مهربة مع هؤلاء "الحمالات" ولما لا ارى قياديات مجتمعنا المدني والحزبي يرتشفن كؤوس شاي في أعالي كتامة وينصتن لهموم نساء هذه المنطقة ولنساء اعالي الاطلس وسوس؛ طبعا ما اتمناه ليس صور لتنشر في مواقع التواصل الاجتماعي؛ ولكن لتعاش عن قرب واحساس انساني نبيل.