كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن حقيقة مرعبة ببلادنا، تتمثل في أن المغرب يخسر في كل ساعة ما مجموعه 1.151.813 درهما، أي في اليوم الواحد يتكبد المغرب خسارة 27.643.527 درهما.
فرغم أن أوكرانيا، التي تزود المغرب بحوالي 12 في المائة من حاجياته من الحبوب بحكم أنها تعد “سلة العالم”، كانت عرضة للتحرشات الروسية والخذلان الغربي منذ عدة أشهر. ورغم ارتفاع حدة التوتر قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن الحكومة المغربية “ضربتها بنعسة”، ولم تتحرك بحثا عن أسواق بديلة لتأمين ضمان تزويد المغرب بالحبوب (قمح صلب وقمح لين وشعير وذرة وغيرها). وحين فاجأ الرئيس بوتين، العالم بغزو التراب الأوكراني فجر يوم الخميس 24 فبراير 2022، خرجت حكومة أخنوش من “كهفها” و”سباتها”، وأطلقت بضع تصريحات عامة من كون المغرب لن يتضرر تموين سوقه الداخلي بالحبوب بفعل الحرب الدائرة في أوروبا الشرقية. علما بأن هذه الحرب كان يفترض أن تشكل حافزا للمغرب للقيام بوقفة تقييم طريقة استهلاكه للحبوب، وتقييم الآثار المدمرة للتبذير الرهيب الذي يعرفه استهلاك الحبوب. وبالتالي فرصة لوقف النزيف الخطير الذي تتعرض له الخزينة العامة بسبب مشتريات المغرب من الحبوب من السوق العالمية بالملايير من العملة الصعبة.
فحسب الإحصاءات الرسمية، تمثل أوكرانيا سوقا مهما للمغرب، حيث يشتري منها حوالي 12 في المائة من حاجياته من الحبوب بقيمة تقارب ملياري و800 مليون درهم سنويا (أي ما يشكل 65 في المائة من مجموع وارداتنا من أوكرانيا).
لكن المثير للمفارقة أن ما نستورده من حبوب بالعملة الصعبة، لا ينتهي أوتوماتيكيا في مائدة وبطون المغاربة. بل إن أكثر من ربع ما نستورده يرمى في المزبلة.
فإذا استأنسنا بالأرقام الصادمة التي سبق ونشرتها الفيدرالية المغربية لأرباب المخابز والحلويات، في شتنبر 2020، فإن المغرب “يرمي في اليوم 30 مليون خبزة”، بمعنى أن المغرب يرمي 11 مليار خبزة كل سنة بالمزابل!
وإذا علمنا أن كل خبزة يكلف إعدادها حوالي 250 غراما (الخبزة تباع للعموم بوزن 200 غرام)، فمعنى ذلك أن حجم الخبز الزائد عن الحاجة الذي يرمى في المزابل، يصل وزنه إلى 2.750.000 طن من الحبوب الخام في السنة. وهذه الكمية مخيفة جدا على اعتبار أن إنتاج المغرب من الحبوب يصل بالكاد إلى 52 مليون قنطار في السنة (5.2 مليون طن). أي أن مجموع ما يرمى من خبز في العام بالمزبلة يمثل نصف الإنتاج الوطني وما يزيد، من الحبوب (نستثني عام 2019 الذي حطم فيه المغرب رقما قياسيا بإنتاج 103 مليون قنطار من الحبوب).
وتبلغ الطامة ذروتها، إذا استحضرنا أن المطاحن المغربية والمخابز المغربية لا تعتمد في الطحن وإعداد الدقيق إلا على الحبوب المستوردة في الأغلب الأعم، آنذاك نعي حجم التبذير والإنهاك الذي تعرفه المالية العامة كل سنة، لأن الحبوب المستوردة نسدد ثمنها بالعملة الصعبة. فحسب “إدواردو ساندوني” مدير شركة Plantureux et Associés، فإن بورصة الحبوب سجلت بيع سعر الطن الواحد من الحبوب بثمن 385 دولار بعد الغزو الروسي لأوكرانيا يوم 24 فبراير 2022. وهو ما يساوي 1.058.750.000 دولار، ككلفة الخبز المهدور الذي يرمى كل سنة في المزابل بالمغرب (بالعملة المغربية يساوي 10.089.887.500 درهم).
فهل يحق لبلد فقير مثل المغرب، أن يهدر مبلغ 10 ملايير درهم وما يزيد، كل سنة بالعملة الصعبة لشراء الحبوب لتنتهي في المزبلة في نهاية المطاف (علما أن هذا المبلغ كاف لبناء مشرعين من الأوطوروت من حجم مقطع البيضاء مراكش، أو بناء طريق سريع بطول 1000 كلم كل عام !؟).
سؤال مطروح على حكومة أخنوش وعليها أن تقدم الجواب عنه، خاصة وأن المغاربة معروفون بكونهم من أكثر الشعوب العالمية استهلاكا للخبز، إذ يستهلك الفرد بالمغرب 200 كلغ من الحبوب كل عام (أي ضعف المعدل العالمي بثلاث مرات!). وبالتالي ما هي خطة الحكومة لتحسيس المغاربة بهذه الأرقام لترشيد الاستهلاك الوطني وتجنب التبذير من جهة، وتنويع أسواق تموين المغرب من جهة ثانية، في أفق أن تحدد الحكومة سقفا لضمان السيادة الفلاحية والأمن الغذائي للمغرب عبر تبني سياسة عمومية تهتم بالحبوب والزيوت النباتية وباقي حاجيات السوق الداخلي، بدل الاستمرار في الإفراط في الاهتمام بفلاحة تصديرية تستنزف مخزون المغرب من الماء من جهة، وترضي أسواق أوروبا من جهة ثانية امتثالا لإرادة لوبي فلاحي قوي بالمغرب على حساب المصلحة والأمن القوميين للمغرب والمغاربة؟!.