اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زلنسكي، الرد الأوروبي بـ "البطيء جدا"، وطالب بوضع كل تدابير الرد على الطاولة..
وفي هذا الإطار قال مصطفى كرين، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجي آسيا-الشرق، إن الأزمة الأكرانية، انتهت بدخول روسيا إلى أوكرانيا، وتخلي كل دول الحلف الأطلسي، والغربي والدول الغربية عن أوكرانيا، بالإضافة إلى تشديد الدول الغربية، وتركيزها الغريب جدا على معاقبة روسيا اقتصاديا.
وفي قراءته السياسية والتاريخية لمسار هذا الغزو الروسي وردود الفعل الدولية، شدد كرين، في تصريح لجريدة "أنفاس بريس"، أن "هذا يبين بأنه لم يكن هذا هو الهدف الأصلي، للتحركات الغربية، لم يكن هو حماية أوكرانيا، بل كان الهدف هو محاولة جر روسيا نحو ما يمكن أن يبرر هجوم دول الغرب اقتصاديا، وسياسيا، وتجاريا عليها لإضعافها كمرحلة أولى في سياق إضعاف المعسكر المنافس على المستوى الجيوسياسي، والجيوستراتيجي المتكون من الصين، روسيا، وبعض الحلفاء. وبالتالي فأوكرانيا، كانت طعما بالنسبة لروسيا من أجل جرها إلى هذه الأزمة".
وزاد المتحدث ذاته قائلا: "بالطبع تمت هذه المسألة بدقة كبيرة جدا، حيث أنه تم إقناع أوكرانيا بأن دول الغرب، ستدافع عنها، وبأنها ستدخل للحلف الأطلسي، وللاتحاد الأوروبي، وستصبح جزءا من أوربا، لكن هذا كله لم يكن إلا وسيلة لقطع حبل الود، والرجعة بينها، وبين روسيا، مع العلم أن أوكرانيا وإن كانت بدون أدنى شك دولة مستقلة ذات سيادة إلا أنها كانت دائما ذات ارتباط عضوي، وجزءا لا يتجزأ من تاريخ روسيا منذ عهد القياصرة، فأوكرانيا الأصلية لا تتعدى كييف والمناطق المحاطة بها، فيما شمال أوكرانيا هي منطقة تم إلحاقها بها من طرف القياصرة بين سنتي 1654، و1917، كما تم إلحاق الشمال الشرقي لأوكرانيا بأوكرانيا الحالية، من طرف لينين، وتم إلحاق غربها من طرف ستالين، أما جزيرة القرن، فتم إلحاقها سنة 1954".
وأضاف رئيس مركز الدراسات الاستراتيجي آسيا-الشرق،: "أوكرانيا هي في نهاية المطاف، جزء من التاريخ السياسي والعسكري لروسيا، حيث كانت تعتبر خلال مرحلة الاتحاد السوفيتي نافذة هذا الأخير على البحر الأسود، ولذلك كانت تحظى بكثير من الاهتمام، وكانت تحظى بالعديد من البنيات الاقتصادية المهمة بالنسبة للاتحاد السوفيتي، سواء تعلق الأمر بالأسلحة النووية، ومحطة تشيرنوبيل، الموانئ، وغيرها، بل كانت تعتبر في سياق البناء السوفيتي مهمة جدا".
و"بعد الاستقلال أصبح يتم محاصرة روسيا، ولذلك فالمقطع الذي كان يسير فيه الحلف الأطلسي يتمثل في محاصرة روسيا من الجنوب، يعني من حيث اطلالته على البحر الأسود، حيث توجد مدينة سباستوبول، والمدن الأخرى التي تعتبر مرافع لروسيا، وهذا أمر لم يكن لروسيا أن تقبل به بأي شكل من الأشكال، لأنه لو كانت أوكرانيا قد التحقت بالحلف الأطلسي، فهذا كان سيغلق على روسيا منافذ البحر الأسود، وبالتالي سيضعفها على المستوى الاقتصادي والسياسي، وكذا على المستوى التجاري، لأنها منفذ لتصدير العديد من المواد الأساسية، عبر لروسيا، البحر الأسود"...
وخلص مصطفى كرين إلى أن "المخطط الذي كان يتم دفع أوكرانيا إليه، يتعلق باستعمالها لمحاصرة روسيا، ولكن أوكرانيا في غمرة هذا، لم تتنبه إلى أنها تدخل حربا ليس لها فيها في الحقيقة أي ربح، لا حاليا ولا مستقبلا"، واعتبر "أنه إذا رجعنا قليلا إلى التاريخ، نجد أنه خلال انهيار الاتحاد السوفيتي، كانت هناك وعود من طرف الحلف الأطلسي، حيث تعهد هذا الأخير منذ 1991 بأنه لن يتمدد نحو الشرق، ولن يتمدد نحو المحيط الحيوي لروسيا، لكن للأسف، الحلف الأطلسي لم يحترم هذه المسألة واستمر في التمدد في محيط روسيا، فأدمج مجموعة من الدول، آنذاك أي في بداية التسعينات، وحين كان الحلف الأطلسي في أوج قوته، وكانت روسيا في أوج ضعفها لم يكن بإمكان هذه الأخيرة الرد على هذه الاستفزازات من طرف المعسكر الغربي". واستدرك قائلا: "الآن في ظل تطورها العسكري، وبعد استعادة عافيتها الاقتصادية، وبعد إعادة تشكيل تحالفاتها الاستراتيجية مع الصين، وإيران، وإلى حد ما مع تركيا ودول المحيط..، أصبحت روسيا جاهزة لتقول كلمتها، وأن تمنع الحلف الأطلسي من أن يغلق عليها المنافذ البحرية في الجنوب".
من جهة أخرى، قال: "وشخصيا، لم أكن أتوقع نهائيا أن يكون للحلف الأطلسي وأوروبا الجرأة لتتدخل ضد روسيا بعد غزو أوكرانيا، وهذا معروف، لأن روسيا على حق في دفاعها عن أمنها الاستراتيجي، وثانيا لأنها ومنذ قرابة ثلاثة عقود، وهي تطالب أمريكا للجلوس إلى طاولة الحوار من أجل ترتيب الفضاء الأمني الأوروبي بما يلائم جميع المكونات الأوربية الغربية منها، والشرقية، وثالثا لأن الأمريكيين، والاوربيين، ما يهمهم كما قلت في البداية، هو إضعاف روسيا بعد استعادة عافيتها الاقتصادية، والعسكرية".
وزاد قائلا: "ما استغربت له شخصيا، هو مطالبة الرئيس الفرنسي اللجوء إلى مجلس الأمن من أجل مناقشة ما يتعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا، على اعتبار أن أمريكا حسن أرادت هي وحلفاؤها غزو العراق، التفوا على مجلس الأمن وقاموا بغزوها عبر تحالف شكل الحلف الأطلسي، وكذلك الأمر بالنسبة ليوغسلافيا، وتفكيكها، وكذلك الأمر بالنسبة لأفغانستان، ومناطق أخرى. ففي كل مرة كانت أمريكا والدول الحليفة لها، تلتف على مجلس الأمن، كلما كانت تود تفكيك بنيتها السياسية أو مهاجمة دولة، والآن تريد اللجوء إلى مجلس الأمن مع العلم أن اللجوء إليه ستكون خاسرة، بحكم أن روسيا تتوفر على حق الفيتو. وبالتالي كيفما كان هذا القرار فإن حق الفيتو سيسقطه من طرف روسيا، واعطي هنا مثالا بسيطا، فحين غزت العراق الكويت في 1990، وبحكم أنها بلد بترولي، وبما أن العراق أيضا بلد بترولي، سارع الحلف الأطلسي إلى مهاجمة العراق، وادعاء حماية الكويت بغض النظر عن الحلف الأطلسي، وبعد ذلك لجأ إليه من أجل إضفاء الشرعية على العقوبات التي فرضها على العراق، والمتعلقة بالنفط مقابل الغذاء والتي بقي الشعب العراقي يعاني من تداعياتها.
الآن هناك ما يسمى بغزو روسيا لأوكرانيا، للأسف هذه الأخيرة ليست دولة بترولية ولا دولة استراتيجية الا بقدر استعمالها لمحاصرة روسيا، وبالتالي فإن إمكانية غن يتحرك الغرب للدفاع عنها وهي بلد غير بترولي ومن أجل مهاجمة روسيا البلد النووي، تعتبر غير ممكنة نهائيا وستظل أوكرانيا تعاني لوحدها إلى حين الجلوس مع روسيا على طاولة حوار يتم من خلالها إثبات أو إدخال أوكرانيا إلى مريع الحياد اللازم للصراع بين معسكري الصين وروسيا ومعسكر أمريكا أوروبا".