معاناة أسرة طفل التوحد.. لا ولن يشعر بها إلا من يعيشها

معاناة أسرة طفل التوحد.. لا ولن يشعر بها إلا من يعيشها هنية الشكري مع صورة لطفل التوحد

أسرة من بداية تشخيص ابنهم بالتوحد تغير كل شيء فيها وفي طباعها ونفسيتها وظروفها الاجتماعية والمادية، وتأثرت معنوياتها. تبدلت الشخصيات والاهتمامات والأولويات، حتى دائرة معارفهم دائرة تضيق يوما بعد يوم، فلا الأصدقاء ولا الأقارب ولا حتى الجيران هم أنفسهم أصدقاء وأقارب ما قبل التشخيص.

هي أسرة تنسحب من كل شيء تدريجيا، تترك الحياه التقليدية وتدخل دوامة أخرى بأبعاد وطموح وأحلام مختلفة. أصبحت تتجاهل كل شيء، المناسبات العائلية، العادات والتقاليد، والإجازات والمصاييف والأعياد والأفراح، وكل شيء. تركت كل شيء مقابل راحة طفلها، وبسبب عدم تقبل المجتمع وعدم تفهمه وإحساسه ومساندته، وحتى تتجنب تلك النظرات الموجعة: منها الشفقة ومنها الاستغراب ومنها نظرات الاستهجان وعدم الرضا، حتى أنهم يحكون علينا وعلي تصرفاتنا وتصرفات الطفل بدون علم ولا معرفه بالتوحد. بدون أن يفهموا معني أن تكون أما  أو أبا لطفل توحدي.

 

أم طفل توحدي ليس لها موعد للنوم قد تنام ساعات قليلة في اليوم، وقد لا تنام يومين حسب نوم طفلها. وإذا نام الطفل فجرا استيقظ باقي الأبناء والزوج فتضطر للقيام من أجل تجهيز الطعام لهم.

 

أسرة طفل توحدي هي أسرة تعيش في مزاج متقلب، يتقلب في اليوم أكثر من مرة. فقط طفلهم وحالته هي المتحكمة في هذا المزاج المتقلب. فإذا كانت حالته جيدة تكون الأسرة سعيدة، وإذا ساءت تكون الأسرة مكتئبة حزينة .

 

هي أسرة تعودت علي نظام حياة مختلف وطعام مختلف واهتمام مختلف، أسرة إذا أحدهم سرح في خياله إلى المستقبل، ولو دقيقة، لن يدوق طعم الراحة ولن ينام بعدها. فقط تخيل كيف سيكون مستقبل ابنه بدونه؟ ماذا سيحدث؟ وكيف سيعيش؟

 

أسرة حكم عليها وعلى طفلها بالحكم الخاطئ والظالم فمنهم من يتهم الأم والأب بالتقصير، بل منهم من يتهمهم بأنهم سبب توحد طفلهم، ومنهم من يتهمهم بسوء التربية. وآخرون  يتهمون الأم بأنها أخذت أدوية أثناء الحمل أو بأن حالتها النفسية كانت سيئة. بل هناك من يربط الإصابة بالتوحد بجينات الأم والأب أو بالتلفاز والتطعيم، وكثير من الاتهامات الأخرى التي لا حصر لها .

 

هي أسرة قلبها يتقطع عند سماع بكاء وصراخ طفلها دون أن تعلم لماذا يصرخ؟! وما الذي أصابه هل أسنانه تؤلمه أم المعدة أم القولون أم الأذن أم اللوزتين أم، أم، إلخ...

 

على أفراد الأسرة الشك والتوقع والتخمين لأن طفلهم لا يستطيع النطق ولا شرح ما يشعر به.. أسرة تنظر إلى طفلها وتتساءل يا ترى ما الذي يدور في رأسك، في ماذا تفكر ما الذي تريد أن تقوله ولا تستطيع. هل تشعر بي هل تعرف من أكون بالنسبة لك.

 

هي أسرة تتعرض للتنمر يوميا أسرة لا تستخدم أي شيء يستخدمه العامة لا مواصلات عامة لا حدائق لا مدارس لا سينما ولا نواد، وإذا دخلوا إلى أي من هذا يأخذون ركنا بعيدا. يجلسون بعيدا عن العامة وقلبهم يرتجف خوفا من أن يقوم الطفل بشيء غريب أو يدخل في نوبة صراخ وبكاء، ويسبب مشاكل للزائرين، مما يجعل فضولهم يؤذينا ويتقدم أحدهم بأسئلة غالبا ما تكون سخيفة. وفي كثير من الأوقات  ما تكتفي الأسرة بالسمع فقط دون إجابة.

 

هي فعلا معاناة ولا ولن يشعر بها إلا من يعيشها.

ولكن كما أعطانا الله طفل توحد أعطانا الصبر والحكمة.

 

فسبحان الله لم يعط الله طفل توحد لهذا الجار صاحب القلب المتحجر، ولا لهذا الرجل الذى أزعجه بكاء الطفل. لأن لو رزقه الله طفل توحد لكان تركه وهجره أو انفصل عن زوجته... الله يعطي هذه الملائكة للقلوب الطيبة المسامحة. والله يعطينا الصبر والتحمل وإن شاء الله فرجه قريب...