محمد الشمسي: في رثاء الزميل بوعشرين.. وداعا أيها الفصيح المقدام النبيه الشريف

محمد الشمسي: في رثاء الزميل بوعشرين.. وداعا أيها الفصيح المقدام النبيه الشريف محمد الشمسي (يمينا) والراحل عبد اللطيف بوعشرين

تغادرنا اليوم على غير عادتك وأنت الذي كنت فينا الزعيم والنقيب، لا نخطو خطوة إلا وأنت سابقنا، تخرج من دنيانا إلى آخرتك في تلبية منك لكلمة الله التي لا راد لها...

 

لئن فقد فيك المحامون والمحاميات زميلا ونقيبا فقد فقدت فيك موجها ومرشدا ومؤنسا لي وأنا أخطو أول خطوة لي في مهنة تتخذ من السواد وشاحا، ويتحدث فيها المحامي جهرا في مجالس وأي مجالس، ثم يكتبون ونون والقلم وما يسطرون، أذكر كيف استقبلتني قبل عشرين سنة مضت بمكتبك بابتسامتك المشرقة التي لا تفارقك، وأنا أتأبط مطبوع  زيارات المجاملة، ووصفتني يومها بقولك "محياك محام"، وأدركت يومها غزارة منجمك اللغوي والأخلاقي والمهني، وأيقنت أني حصلت منك على ما يحصل عليه المريد من شيخه من بركة وعطية وفأل.

 

أذكر كيف نقلت لنا ونحن في سنوات التمرين متعطشين للمعرفة، بعضا من الأسرار الربانية التي وهبك الله من قدرة على تفكيك النصوص وترويض الفصول والبنود، وأنت تأسر الأسماع بقولك المستحكم الشديد، فكنت الفصيح المقدام النبيه الشريف...

 

أذكر كيف صددت غزوة الموت الأولى، وكيف أبطلتها، وكيف خرجت منها عزيزا غالبا متماسكا، وكيف عدت عودة الخيل الأصيلة الجليلة تصهل بين القاعات وتتعقب عيوب المساطر وتكشف عورات المحاضر...

 

أيها المحامي الطيب الكريم، قد نفرط في القول ونقول إنك مت قبل الأوان، لكن نعوذ لنستغفر الله من القول، ونقول إنا لله وإنا إليه راجعون، فمثل الحياة أيها الأب المهني، كمثل قضية تولد وتتركب ثم تكبر فتستشكل، ثم تنتهي وتدفن في مقابر الأرشيف، ولا تبق منها غير السيرة والذكرى، وأنت ذكرى عطرة تغشى الجيل الذي عاشرك وجاورك وخالطك وساكنك وصاحبك ولازمك...

 

ليرحمك الله أيها الرجل اللطيف فيكفيك فخرا أنك عشت كل عمرك عبدا للطيف...