إدماج السجناء في المجتمع مدخل من مداخل الوقاية من حالات العود

إدماج السجناء في المجتمع مدخل من مداخل الوقاية من حالات العود رضوان نموذج من نماذج حالات إدماج السجناء وانسجامهم مع المجتمع

يوم 9 دجنبر من كل سنة يخلد المغرب اليوم الوطني للسجين، وهي فرصة ثمينة يتم فيها تسليط كشافات من الضوء على واقع المؤسسات السجنية وأوضاع المعتقلين (نساء ورجال وأحداث) الذين لهذا السبب أو ذاك وجدوا أنفسهم محرومين من الحرية .

 

الحرمان من الحرية لا يعني بالمطلق تعليق الحقوق الأساسية للسجناء وانتهاكها، بل هذه الحقوق محمية بالأطر المعيارية الوطنية والدولية، وبالتالي كل تجاوز لها يعرض مرتكبها للمسائلة القانونية.

 

المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج لكي تنهض بحقوق السجناء، وضعت مخططا استراتيجيا متعدد الأضلاع والأركان لتحقيق الغاية المنشودة وهي: أنسنة ظروف الاعتقال، التأهيل لإعادة الإدماج، تعزيز الأمن والسلامة بالمؤسسات السجنية، تحديث الإدارة، تعزيز إجراءات الحكامة .

 

إعادة ادماج السجناء في المجتمع لمحاصرة حالات العود التي تشتكي منها المؤسسة السجنية بالمغرب، تشكل مدخلا من المداخل الأساسية لمعالجة هذه الاشكالية. لهذا فإن عملية الادماج تنطلق من داخل المؤسسة السجنية وذلك بتنزيل رزنامة من المبادرات (محاربة الأمية، التعليم والتكوين المهني، التوعية الدينية، برامج ابداعية متنوعة....). لكن هذا المجهود سيبقى محدود الآثار إن لم ينل السجين(ة) نصيبه من المواكبة والمصاحبة لضمان ادماج سلس في المجتمع بعد استرجاع حريته، خصوصا وأن الوصم الاجتماعي الذي يلاحق السجناء لا يساعد على مصالحتهم/ن مع المجتمع والانسجام معه بعد الافراج عنهم/ن.

 

ولمواجهة وضعية ما بعد الحرمان من الحرية حيث تكون تغيرات قد طرأت على شخصيات السجناء أثناء فترة الاعتقال، أوكل المشرع دور السهر على عملية الادماج لمؤسسة محمد السادس لإعادة ادماج السجناء، التي من دون شك سيعتري عملها جبل من الاكراهات إن لم ينخرط مختلف المتدخلين المؤسساتيين والقطاع الخاص والمجتمع المدني في تعضيد رسالتها في أبعادها المتعددة .

 

في هذا السياق فإن اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان طنجة تطوان الحسيمة في نسختها التأسيسية، وفي إطار اختصاصاتها في مجال الحماية كما هي محددة في القانون المتعلق بإحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يسجل لها الدور الذي لعبته بجانب فرع مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء بطنجة الذي انتهى بقطع بعض السجناء مع حالات العود بالجهة .

 

رضوان شاب من مدينة وزان ينحدر من وسط اجتماعي هش، لم يركب قطار التعليم إلى آخر المشوار كما كان يحلم.... بين عشية وضحاها سيجد نفسه وراء القضبان.... تكررت العملية ثلاثة مرات وتراوحت الأحكام بين القصيرة والطويلة... رضوان استفاد من دروس التوعية وباقي برامج الادماج بالمؤسسة السجنية بوزان رغم محدوديتها…. لكنه بمجرد ما يستنشق نسائم الحرية حتى يصفعه الواقع المرير المتجلي في... الوصم الاجتماعي، العطالة، ورقة حسن السيرة وما تحمله من "ملوثات"...

 

ولأن اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالشمال سجلت حضورها بإقليم وزان في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، فقد اهتدى الشاب رضوان إلى مراسلتها... تدارست الآلية الحقوقية طلبه... ربطت له الاتصال بفرع مؤسسة محمد السادس لإدماج السجناء بطنجة.... ترافع لفائدته عضو الآلية الحقوقية بوزان لدى السلطات إقليميا ومحليا ولدى مجلس الجماعة ولدى القطاع الخاص، وذلك كله بتنسيق مع رئيسها… كان السلاح الذي أطر الترافع بالإضافة إلى الحق في الادماج، العناية الملكية بالساكنة السجنية، وإشراف الملك على عمليات ادماج العشرات من السجناء... تعددت وعود المخاطبين لكن العين بصيرة واليد قصيرة.... تذرع الجميع بوجود "وسخ" في شهادة حسن السيرة... بدأ أمل رضوان يتحول إلى ألم وجروح نفسية عميقة... ولأن المواطنة قيمة سامية وهو المبدأ الذي تجسد في مقاولة مكلفة بتوفير خدمة نظافة دار الضمانة المدينة التي بعد نقاش مطول مع مديرها تفهم أبعاد فتح فرصة الشغل في وجه سجين... التحق رضوان بالعمل...

 

في شهر نونبر الأخير مرت 8 سنوات على حصول رضوان على شغل بالمقاولة المذكورة... 8 سنوات لم يسجل عليه ولا خطأ واحد... 8 سنوات كلها تنويه من رؤسائه وزميلاته وزملائه بالشركة... 8 سنوات كلها استقامة وأخلاق عالية وتواصل راق مع المحيط والمجتمع... إدماج في المجتمع نتج عنه بناء رضوان لعشه الأسري حيث أصبح أبا لطفلين يرعاهما بمعية رفيقة دربه... لا شيء يقبض على رضوان غير الفرح الذي يشع من عينيه.

 

أما بعد 

من يملك الشجاعة ليدلنا على مصير الشاب رضوان لو لم يتم ادماجه بالمجتمع؟ ما هي الكلفة التي كان سيدفعها المجتمع لو ظل رضوان على هامشه؟

رضوان والمقاولة التي وفرت له شغلا قارا حافظا لكرامته، والآلية الحقوقية الجهوية بالشمال التي وجهته ورافقته، رسالة لمن يهمهم أمر القطع مع حالات العود... إدماج السجناء مدخل من مداخل انسجامهم مع المجتمع، وأن إدماجهم مسؤولية تقع على عاتق المجتمع بكل متدخليه...

 

تحية لرضوان الذي فتح لنا صدره فقرر بمنسوب عال من الوعي بأن يفتح أمام الجميع صفحة من حياة لم يخترها... خطوة تشكل بقعة من مساحة الاندماج في المجتمع.