يحضر معي في هذا الصدد الدرس "الدارويني" عن الإنسانية، إذ يقول: (لن يوجد بشر في مكان آخر، فهنا فقط على هذا الكوكب الصغير يوجد الناس ونحن نوع نادر ومعرض للخطر، وإذا ما اختلف إنسان معك دعه يعيش لأنك لن تجد إنسانا آخر في مائة مليار مجرة).
في زمن فيروس كورونا Corona Virus تبقى الهوية الإنسانية بين السجين والسجان فوق كل العلاقات والمذاهب، فثمة خصائص وملامح جوهرية تكاد تكون متشابهة، وربما هي متشابهة بالفعل، وعلى رأسها النزوع إلى الحرية والكرامة، بجانب خصائص أخرى نفسية وفكرية واجتماعية.. وأنا أعيش التجربة تساءلت مع نفسي، بصوت مرتفع، عن سر انفجار الوعي الإنساني بين السجين والسجان في زمن كورونا؟ هذا الوعي سينضج بالاحتكاك اليومي مع الواقع المعاش وبالامتلاء الفكري، فلربما لن أفلح في سرد جل تلك الخصائص والملامح لأنني لن أدخل في مدار مراحلها، وهذا يعني أنني لن أوفق في الكتابة عنها حتى لو أسعفتها بالخيال وإبراز كينونتها .
في زمن فيروس كورونا Corona Virus سوف يبقى الحديث عن علاقة السجين بالسجان مفتقرا إلى خلاصات شهور وسنوات هذا العجز هو ما يثير عزيمتي، وأنه بإمكاني أن أدمغ تجربتي شرط أن أمتلك قدرة الفهم والتحليل وقادرا على استيلاد الأسئلة والإجابة عنها بروية وحكمة مشوبة أحيانا بعنف البعض، وآمل ألا يكون هذا الاختزال مخلا لما هو أساسي من هذه المقارنة؛ فالتهم كثيرة توجه لهؤلاء البعض، منها التشجيع على النزعة الضيقة، الإعلاء من شأن بعض السجناء، وبصفة عامة التنكر لقيم الهوية الإنسانية.
في زمن فيروس كورونا Corona Virus أصبح السجين والسجان يعرضان سيرتهما الذاتية في علاقتها بالدين والمجتمع والفكر والاقتصاد والسلوك العام، فلم يعودوا متكافئين حول ذواتهم، بل أصبح الكتاب هو القاسم المشترك بين الطرفين، والذي صارت تطرح حوله أسئلة مشتركة كذلك، كل من موقعه: ما نفع هذا الكتاب بين أظهرنا؟ ماذا صنعت لنا كلماته؟ هل غيرت من وضعينا؟ هل دفعت المسؤولين إلى الالتفات لبؤسنا ومعاناتنا...؟ لكن يبقى ذلك الكتاب في الأخير، وهذا باتفاق الطرفين، أنه، ومن داخل المؤسسة السجنية، قد لا يغير الوضع، لكنه يستطيع أن يغير الوعي ويربي حس الجمال .
في زمن فيروس كورونا Corona Virus تمكن السجين والسجان من أن يخلقا لنفسيهما من خلاله زمنا آخر بحيث ستتماهى روحهما معا، وكذلك أفكارهما مفتونين بتكسير المعهود والتوقد للآفاق، وفي نفس الوقت لم يعودا قادرين على مقاومة الحاضر بعد أن اختارا العزلة عن غير طواعية كملاذ يستعيدان فيها أحلامهم المسربلة بكثير من الأوهام و الخيالات التي طبعت زمن جائحة كورونا .
في زمن فيروس كورونا Corona Virus وكخلاصة أصبح نشر الوعي بين السجين والسجان أكثر أهمية من الاقتصاد ( البيتـيا ) في تنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، ولربما كان الأمر كذلك دائما؛ وحقيقة كهذه لا تستطيع أن تعلن عن نفسها من دون أن تؤثر بعمق في التركيبة الأخلاقية للطرفين، إلا أن سؤالا واحدا يطرح نفسه هنا بإلحاح: أي من هذين الطرفين عليه أن يقرر؟ وباختصار أكثر، إذا كان تقسيم الأدوار قانونا للطبيعة، فهل هو أيضا قاعدة أخلاقية للهوية الإنسانية؟
- عبد الإله شفيشو، السجن المحلي شفشاون