ينطبق هذا المثل على الأحزاب المشكلة للحكومة، والتي كانت قد وعدت المغاربة، في حملاتها وبرامجها الانتخابية، بخلق أكثر من مليون منصب شغل، وبالرفع من الأجور، وبتقديم منح للعجزة والمحتاجين. بل إنها وعدت بما هو أكثر اهمية: تحقيق السلم الاجتماعي.
لكنها، ويا للأسف، ما أن شرعت في العمل التنفيذي حتى شرع وزراؤها في اقتراح كل ما من شأنه أن يثير الفتنة، ويؤجج منسوب الاحتقان الشعبي، ويدفع المغاربة إلى التظاهر في الشوارع غضبا واحتجاجا. والدليل هو القرار الارتجالي والانفرادي الذي اتخذه شكيب بنموسى،وزير التربية، القاضي بمنع من يتجاوز سنه 30 سنة من ولوج مراكز التكوين الخاصة بالقطاع.
إن مثل هذا القرار كان السبب وحده في اطلاق 30 مظاهرة احتجاجية على امتداد التراب الوطني. وهذا ما يجعل كل مغربي يضع يديه على قلبه خوفا مما قد يحمله القادم من الأيام. هذا الأمر ليس وليد جرعة زائدة من التشاؤم، أو نزوع نحو عدمية ما.
بل الأمر مسنود بالسوابق الأليمة التي عشنا مرارتها مع الحكومات السابقة، خاصة فيما يتعلق بعدد المظاهرات الاحتجاجية، وبمؤشر واقع السجون.
إذا استنطقنا مؤشر الاحتجاجات التي تمت في السنوات الأخيرة، نجد أن الاحتجاجات التي تمت في عهد حكومة عباس الفاسي، قد بلغ عددها في المعدل 5500 تظاهرة في السنة. وتم تسجيل 13000 تظاهرة احتجاجية كمعدل سنوي في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، في حين تم تسجيل 16000 تظاهرة احتجاجية كمعدل خلال فترة حكومة سعد الدين العثماني، إلى أن وصل العدد 18000 في السنة مع متم هذه الحكومة..
إن كلفة هذا التصاعد في الأرقام يعني الشيء المرير، ذلك أن المغاربة حين يخرجون إلى الشارع للاحتجاج على مطلب معين، أو ضد قرار عمومي جائر، فذلك يستدعي بالطبع تعبئة القوة العمومية من رجال الأمن والدرك الملكي والقوات المساعدة، وإخراجها إلى الشارع بهدف تأطير تلك المظاهرات الاحتجاجية. والنتيجة أن التظاهرة الواحدة تكلفنا ماليا ما بين مليون درهم ومليون و100 ألف درهم. وإذا اكتفينا فقط بما حدث في السنة الماضية التي عرفت 18000 مظاهرة احتجاجية، فسنجد أن الكلفة قد بلغت 18 مليار درهم. وهو رقم كبير إذ يمثل، على سبيل المثال، كلفة بناء 3600 مؤسسة تعليمية إعدادية. وعلينا ان نتصور لو تم فعلا إنشاء تلك المؤسسات، بأقسامها ومختبراتها ومرافقها... لكان معدل التلاميذ في القسم يتراوح فقط بين 18 و20 ، أي أننا سنصبح ضمن المعايير الدولية مثل بلدان الشمال الأوروبي، لكن بعض وزرائنا، للأسف الشديد، لا "كبدة" لديهم على البلاد والعباد، ولذلك يتخذون قرارات ارتجالية. ولأن الخزينة العامة هي في ملكية الشعب فهم يستبيحونها عبر هذه القرارات الفردية.
أما المؤشر الثاني فيتجلى في واقع السجون. إن الأغلبية الحكومية، التي كانت قد وعدتنا بتوسيع وعاء التشغيل نجدها، بخلاف ذلك، تغلق منافذ ولوج مراكز التكوين في وجه من هم دون الثلاثين سنة. وهذا ما قد يولد مزيدا من الاحتقان ويعمق منسوب الغضب والإحباط وهو ما قد يترتب عنه اقتياد الناس إلى السجن. إن صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، كان قد أعطى أرقاما صادمة خلال تقديمه مؤخرا التقرير المالي حول ميزانية السجون، حيث قال إن هذه الأخيرة قد امتلأت عن آخرها بعد أن وصل عدد السجناء في المغرب إلى 89711 نزيلا.
وللأسف الشديد مرة اخرى فإننا حين نقارن هذا الرقم بالأرقام المسجلة خلال الحكومات السابقة، نجد أن عدد السجناء في تزايد سنة بعد أخرى. في سنة 2007 كان عدد السجناء هو 59.000. وبلغ 70.000 في سنة 2012، وفي سنة 2016 بلغ العدد ما بين 73.000 و76000 وها هو العدد يمعن في التصاعد ليبلغ اليوم 90.000 تقريبا.
المؤلم أثناء تأمل هذه الارقام أن المغرب لم يسبق له أن احتل المراتب الأولى في مؤشرات المقارنة مع الدول، سواء مؤشر الرخاء والرفاهية، أو في مناخ الأعمال وجلب الاستثمارات، أو في محاربة الفساد وفي إرساء شروط الشفافية... بل نجده يحتل فقط المرتبة الأولى في عدد السجناء إذا اعتمدنا العتبة العالمية المقبولة التي تنص على مقياس 100 سجين لكل 100.000 من المواطنين.
نتصور، بناء على كل هذه المعطيات، أن الحكومة المغربية لو كان بها عقلاء فعلا لتجنبت اتخاذ القرارات الفردية غير المفكر فيها.
إن قرار وضع "بلاكة ممنوع" في مكان ما في شارع أو درب، يخضع لقرار لجنة السير والجولان، تشمل ممثلين عن المجلس البلدي والجماعة الترابية والأمن أو الدرك( حسب الحالة)، والوكالة الحضرية وممثل عن السلطة المحلية وكل جهات الاختصاص، فما بالك بقطاع التعليم الذي يستوعب 8 ملايين تلميذ حيث يأتي بنموسى، الوزير المسؤول عن القطاع، ليتخذ قرارا مزاجيا انفراديا تماما كما لو أن القطاع كان قد ورثه عن عائلته !!