سعيد بدر: التملق الوظيفي.. صعود سريع وسقوط مذل!!؟

سعيد بدر: التملق الوظيفي.. صعود سريع وسقوط مذل!!؟ سعيد بدر
حيثما يوجد مسؤول يوجد آخر غير مسؤول، وحيثما يوجد مسؤول يوجد متملق ومتسلق!! هكذا أصبح واقع الحال وما أصبحنا نراه في حياتنا اليومية في كل المجالات؛ والغريب والملاحظ أن مثل هؤلاء باتوا يصنفون من قبل الرؤساء أنهم متعاونون فى العمل وحريصون على مصلحة الإدارة أو الشركة أو المؤسسة؛ وهم أبعد ما يكونوا عن ذلك. وهذه النوعية المريضة من الأشخاص باتت لا تكترث إلا بالوصول الى ما تصبو اليه مهما كان الثمن ومهما كلفها الأمر؛ فقط من أجل مصالحها الشخصية وحب الأنا.
ويمكن أن أقول حسب ما لاحظته وعاينته بأن (المتملق شخص شديد الذكاء وخفيف الحركة وتلاحظ هذا بوضوح فى معظم المحيطين بأصحاب النفوذ فى المؤسسات…)، فتجد هذا المتملق حاد البصر ولماحاً بشكل مذهل !!ويقف دائماً على أطراف أصابعه مستعدا دائما لتلبية أية إشارة صادرة عن سيده!!، فما أن يبادر السيد بأية التفاتة نحو أي شيء إلا وتجد صاحبنا بين يده ملبياً: (نعام سيدي) كما أنه يتولى الأعمال التي فيها احتكاك مباشر مع المسؤول المعني ولا يتركها لغيره كما تجده دائماً متربصاً بزملائه لاصطياد أخطائهم.
ويمكن أن أقول كذلك بأن (صفة التملق هي امتداد طبيعي للغدر والخيانة والنفاق) فالشخص الذي يوجد معك عبر ساعات طوال بوجه الزميل والصديق وفى نفس الوقت ينتهز أول سانحة ليطعنك فى ظهرك، هو ولا شك من يجمع بين كل هذه الصفات. تبقى لنا أن نعلم أن المتملق له استعداد غير طبيعي فى أن يتلقى المهانة والشتائم من رؤسائه دون أن يشعره هذا بالامتهان بل تجده يبتسم وهو يتلقى أقسى العبارات وربما تكون عبارات جارحة جداً وعلى مشهد من الناس لكنه لا يحرك ساكناً فى سبيل ألا يغضب عليه سيده. وقد تمتد به التنازلات لخدمة المسؤول خارج المهمة في أمور خاصة.
وجود فئة مثل هذه داخل أغلب المؤسسات و الادارات و الشركات يهدد الاستقرار والأمن الوظيفي لكثير من الموظفين والعمال الشرفاء و المواطنين الوطنيين الأحرار الغيورين على بلادنا السعيدة ادام الله علينا السلم والأمن و السلام ، الذين يضعون العمل نصب أعينهم دون إضاءات رخيصة لشخص بعينه وفى نفس الوقت نجد أن هذه المجهودات المضنية في العمل التي يقومون بها من أجل كسب مشروع يمكن، وبكل بساطة، أن تنسب الى غيرهم وتسرق منهم دون أن يشعروا بذلك؛ لأن هذه الفئة من المتملقين لها مهارات منقطعة النظير للسرقة أعمال الغير من أجل تضخيم أعمالها والاستعراض أمام الرؤساء بجهودهم الزائفة، بمعنى أن هؤلاء لديهم المقدرة على تسويق أنفسهم بشكل قد يدهشك وقد يجعلك فى حيرة من هذه التمثيليات المحبوكة بمهارة عالية (كما يقال في العامية أصحاب السنطيحة). وليس بالغريب على هؤلاء أن يصلوا الى قلوب الرؤساء بأن يتخذوا من الآخرين معبراً لهم حتى لو كلفهم الأمر العبور على أنقاض زملائهم بعد أن يمزقوهم بالوشايات والأحاديث الملفقة وحياكة المؤامرات في وضح النهار من أجل أن يقصوهم أو يبعدوهم درجة أو يلفقوا بهم تهمة، المهم فقط هو الوصول والعمل بمبدأ أنا ومن بعدي الطوفان.
والسؤال الذي نحن بصد طرحه والذي نوجهه لكل الرؤساء والقائمين على أمر الناس في الشركات والمؤسسات والادارات التي تضم داخلها مثل هذه الفئة: أين أنتم من هؤلاء المتملقين؟ الذين تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أنهم يسيطرون على الوظائف ويقصون الأبرياء والشرفاء تحت ستار الحرص على العمل وتقربهم من الرؤساء، ويحظون بالترقيات وزيادة الرواتب دون غيرهم، يبدو جلياً أن القائمين على أمر الموظفين من رؤساء وإداريين فى هذا البلد باتوا لا يميزون بين أولئك الأنقياء أصحاب المبدأ والعطاء والإخلاص فى العمل و الغيورين على وطننا الحبيب تحت إمارة الملك محمد السادس ، وبين أصحاب الابتسامات الصفراء الذين يحملون سيف الغدر يمزقون به أحشاء كل من يحول بينهم وبين الوصول إلى أهدافهم الخبيثة . أولئك الذين تسربت سموم التملق إلى دمائهم وجرت في عروقهم وزينت لهم طريق الخداع والرياء فأفسدت ضمائرهم، وهذا مردّه الى أن معظم الرؤساء (وهنا لا اعمم وأحيي الشرفاء والمخلصين للوطن) يهتمون فقط بالقالب الذي يقدم فيه العمل دون التقصي والاهتمام بجوهر العمل أو المهمة والسعي للوقوف على كل التفاصيل، كما أنهم يستمعون باهتمام الى كل ما يأتي إليهم من وشايات فى مكاتبهم المكيفة المفروشة بأفخر أنواع السجاد دون أن يكلفوا أنفسهم سماع الطرف الآخر!! كما أنهم يتعاملون مع الموظفين البسطاء الأشراف بسياسة التجاهل وعدم الالتفات الى ما يبدونه من آراء ولا يدخرون وسعاً فى العمل بمبدأ (فرِّق تسُد)! بتقريب عصبة من الموظفين اليهم وزرعهم بين أقرانهم كي يتحاشوا تحالفهم عند ضياع الحقوق. ولا يفوت علينا أن هناك بعض الرؤساء مصابون بأمراض النرجسية وحب الذات، فالتطبيل والاهتمام والانكسار الذي يجدونه من المتملق يجد هوًى فى أنفسهم، فيدعمون المتملق وهم يعلمون تمام اليقين أنه لا يصلح للعمل. ونجد فى بعض المؤسسات أو الشركات أو الإدارات أن الموظف الذي لا يبتسم بمجرد رؤيته للمسؤول يُدخل في زمرة المغضوب عليهم ويوضع ضمن القائمة السوداء! لذلك يجد المتملق الملعب أمامه خالياً ومهيأً كي يمارس لعبته القذرة.
واختم بطلبي إلى كل الغيورين والمخلصين في المهام المسنودة إليهم، بانه إذا كنت صاحب مبدأ وقيم فأنت بالتأكيد ستكون محاطاً بكثير من المؤامرات والدسائس وربما تخسر الكثير في سبيل الحفاظ على هذه القيم والمبادئ، لكن لا سبيل لك غير المقاومة والصمود، وأهون لك أن تخسر كل شيء وتموت بعزتك ولا تحيا وأنت ذليل. وأعلم أن الرزق لا يتسع بتقديم التنازلات غير المشروعة، وحتماً ستجد بانتظارك أبوابا أخرى كلما أغلقت فى وجهك أبواب، وإن كنت من زمرة المتملقين فستصل الى أعلى المراتب وستتخلص من الذين جعلتهم خصومك ببراعة تحسد عليها وستنجح فيما تصبو اليه من مخططاتك الانتهازية وستحصد كثيراً من الأموال وتجلس على ذلك الكرسى الذي طالما حلمت به لكنك ستجد بانتظارك دعوة مظلوم وانتقام جبار ولو بعد حين.
واسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا لما فيه الخير والصلاح للعباد وان يجعلني ممن تقضى حوائج الناس على أيديهم.