بعد مباراة الديربي، كنا نتوقع أن تنـقـد نتيجة التعادل التي حققها الرجاء الرياضي مع غريمه التقليدي، المدرب التونسي لسعد الشابي جردة، من حبل الإقالة إلى أجل غير مسمى، بعد أن تراجع مردود الفريق الأخضر خلال الدورات الأخيرة نتيجة وأداء، بشكل جعله يتأخر عن المتصدر الودادي بما مجموعه خمس نقط، لكن الإقالة أو الطلاق بالتراضي، عجل بوضع نقطة نهاية للمدرب التونسي مع الرجاء الرياضي، ويبقى السؤال العريض، هل الخلل كان في المدرب الذي لم يفلح في تحريك ناعورة الرجاء الرياضي بالشكل الذي تتطلع إليه الجماهير الخضراء والمكتب المسير، خاصة بعد مغادرة النجمين سفيان رحيمي ومالونغو للقلعة الخضراء ؟ أم أن الخلل يكمن في التشكيلة الحالية، التي يصعب معها الرهان على كسب البطولة الاحترافية والاحتفاظ بكأس دوري أبطال العرب، وحصد لقب عصبة الأبطال الإفريقية أو على الأقل المرور إلى الأدوار النهائية والمنافسة الشرسة على اللقب الإفريقي؟ أم في الجمهور الذي رفع من منسوب النقد لأداء الفريق واختيارات الإطار التونسي على غرار ما فعل مع خلفه الإطار الوطني جمال السلامي؟
في هذا الصدد، وبمعزل عن الجوانب التقنية والتكتيكية التي نترك كرتها في خط مرمى التقنيين والصحافيين الرياضيين، ودون النبش في اختيارات لسعد جردة، لا مناص من القول أن المدرب التونسي بصم بقوة تاريخ الفريق الأخضر، بعدما نجح في انتزاع كأس دوري أبطال العرب وحصد كأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، وحقق نتائج محترمة في البطولة الاحترافية جعلته يحتل الرتبة الثانية في سبورة الترتيب بعد الوداد البيضاوي، بل وأهل الفريق إلى دور المجموعات من دوري عصبة الأبطال الإفريقية، وهي نتائج حسنة في مجملها، تشفع للرجل للاستمرار في قيادة فريق الرجاء البيضاوي، المقبل على عدة تحديات كروية وطنيا وإفريقيا وعربيا، على الأقل حتى نهاية الموسم إذا ما استمرت النتائج في التراجع، حرصا على استقرار الفريق وتماسكه ونحن على بعد دورات معـدودات من منتصف الدوري الاحترافي المغربي، في انتظار دعم الفريق في "الميركاتو" الشتوي، ببعض اللاعبين القادرين على الحفاظ على كبرياء الفريق الأخضر.
بعد مغادرة سفيان رحيمي ومالونغو وقبلهما بدر بانون، فقد الفريق أعمدته الأساسية، كما أن اللاعبين المحترفين الأفارقة الجـدد، لم يقدموا الفرق، شأنهم في ذلك، شأن بعض لاعبي الرجاء الذين يفتقدون إلى الخبرة والتجربة المطلوبة، والنتيجة تراجع النتائج بشكل نسبي في المباريات الأخيرة مقارنة مع الغريم التقليدي، والخوف كل الخوف، أن تتسبب عملية التخلي عن المدرب في هذه المرحلة المبكرة من عمر البطولة وعمر عصبة الأبطال الإفريقية، في إحداث نوع من الارتباك والفراغ وتشتيت أذهان اللاعبين نفسيا وتقنيا وتكتيكيا، خاصة وأن المدرب القادم، لايمتلك خاتم سليمان حتى يعيد الأمـور إلى وضعها المأمول في حينه، ونرى أنه يحتاج مساحة من الزمن، حتى يستأنس بالأجواء الرجاوية والمغربية، ويتوقف عند مكامن الضعف والخلل ويستوعب قيمة الفريق الذي لايمكن تصوره، إلا داخل نطاق المنافسة والألقاب والإشعاع الكــروي الخارجي .
المكتب المسير الجديد الذي اتخذ قرار الإقالة أو الطلاق بالتراضي، لابد أن يتحمل مسؤولية اختياره، وستبقى النتائج المحققة في قادم الأيام والأسابيع، هي الشاهد على مدى نجاعة أو إخفاق هذا الاختيار الذي أزاح مدرب واختار آخر والفريق لازال في العقبة، ولايمكن إلا أن نأمل في أن يكون التغيير أو الاختيار في محله، وأن يكون المدرب الجديد، قادرا على إعطاء نفس جديد لرجاء الشعب، لأنه يستحق الأفضل والأجود والأحسن، لقيمته وتاريخه وإنجازاته وجماهيره العريضة التي تعد قوته الضاربـة، ولايمكن أن نترك الفرصة تمر، دون التأكيد على ضرورة تطعيم الفريق بلاعبين متمرسين في بعض المراكز التي تعاني الضعف والتواضع، سواء كانوا أفارقة أو لاعبين محلييـن، لأن الترسانة الحالية، في حاجة ماسة إلى الترميم والتطعيم، فلايمكن لأي مدرب أن ينجح مع فريق الرجاء، إلا إذا توفـر على لاعبين على مستوى عال من الخبرة والتمرس والمهارة والانضباط، وعلى دكة احتياط، قادرة على إحداث الفرق، ونختم بالقول، أن رجاء الشعب أو الرجاء العالمي، بات قاطرة كرة القدم الوطنية إلى جانب وداد الأمة، وغير مقبول أن يعاني أزمة تسييــر أو لاعبين أو تأطيـر أو تكوين أو تدبير مالي.
ومكانة الفريق في هرم الكرة المغربية، تقتضي مسؤولين على درجات عليا من التخطيط والتدبير والتبصر، وبنيات وتجهيزات رياضية تليق بقيمة وسمعة الفريق، كما تقتضي الرهان على التكوين، عبر الاستثمار الفاعل والناجع في الفئات الصغرى، حتى يتسنى ليس فقط، استمرار الفريــق بنفس النهج والقيمة والقوة والحضور والإشعــاع، بل والحفاظ على هويـة " المدرسة الرجاوية" التي تعني "الفرجة" و"الأناقة"، مع جعل المصلحة الفضلى للفريق الأخضر، خيطا ناظما رفيعا، يتحكم في العلاقة التي تؤطـر المكتب المسير بالأطر التقنية التي تقود براق الفريق، بعيدا عن هواجس الربح والخسارة والحسابات والمصالح الضيقة التي لا يمكن إلا أن تضر بمصلحة وكبرياء وشرف فريق من قيمة الرجاء العالمي، وبما أن للرجاء حب يسكن في الفؤاد ومشاعر جياشة تتربع على عرش الوجدان، نأمل أن يبقى الرجاء "رجاء الشعب" بأناقته وفرجته ومتعته وجماهيره التي تجاوز صداها حدود الوطن ...وكل عام ورجاء الشعب، بصحة وسلامة وعافية وكبريـاء وإشعــاع ...