إذا استحضرنا التجارب المقارنة في العالم، والمتعلقة بأوضاع الدول التي استكملت تحرير ترابها الوطني، نجد أن وضعية تلك الدول لا تشبه وضعية المغرب في استرجاع صحرائه.
لنأخذ نموذج الدول العظمى كألمانيا وروسيا والصين، أو لنأخذ نموذج الدول المشابهة لنا تقريبا كفيتنام، حيث نجد أن المغرب يتميز عن كل تلك البلدان من حيث استراتيجية إعمار المناطق المسترجعة، مع تسجيل هذا الفارق الكبير:
حين تسلمت ألمانيا الغربية جزأها الشرقي تسلمته باعتباره "دجاجة بكامونها"، أي بخطوطها السككية وبكلياتها ومطاراتها وبشبكاتها الجاهزة في قطاع الكهرباء والماء الشروب... وحين استعادت الصين هونغ كونغ كانت هذه الأخيرة تشع بهاء، وتضج بالثراء علما بأن هونغ كونغ كانت آنذاك أحد أكبر المركز المالية العالمية. وكذلك روسيا حين استعادت شبه جزيرة القرم وجدتها منطقة حافلة بالمشاريع والطاقات الواعدة التي تهم صناعات الوقود وغيرها، وبالخضرة والجمال. وحين استرجعت فيتنام قسمها الجنوبي أصبح هذا القسم هو رافعة الدولة نحو الأعلى.
أما في وضعنا المرتبط بنا نحن، فالأمر مختلف كليا. نحن البلد الوحيد الذي استعاد جزءا من ترابه فوجده أرضا مقفرة خلاء.
إننا نعرف أن الاستعمار الإسباني من أبشع الاستعمارات في العالم فهو لا يبني قنطرة أو ميناء، أو يمد أنبوبا أو يشق شبكة طرق مثلا.
ولذلك ما أن استعدنا صحراءنا حتى وجدنا الفراغ. لكن في ظرف قصير جدا هزمنا ذلك الفراغ، إذ استطاع المغرب أن ينهض مدنا، وأن يجعل الحياة متيسرة في فضاء جغرافي ظل منسيا لقرون.
للتدليل على ذلك سأكتفي بمؤشر واحد يهم بنية الطرق. والمعلوم أن الطرق هي عصب الاقتصاد في كل الدول. وبهذا الخصوص اشير إلى أننا حين استعدنا صحراءنا كان طول شبكة الطرق لا يتعدى 350 كلم. وفي سنة 2010 وصلت الشبكة الطرقية هناك 24.500 كلم موزعة بين الطرق الوطنية والثانوية...
ثم تمت القفزة الثانية، سنة 2015، حين تبنى المغرب البرنامج التنموي للأقاليم الجنوبية. ويهمنا هنا، في هذا الشق، الإشارة إلى ثثنية الطريق الرابط بين تزنيت والداخلة الذي رصدت له ميزانية 8 مليار درهم التي سترفع الشبكة الطرقية إلى 25.555 كلم.
هذا فقط ما يتعلق بمؤشر واحد. أما إذا أخذنا بعين الاعتبار المطارات والموانئ وبنية الماء الشروب والشبكة الكهربائية والمواصلات السلكية واللاسلكية فسنجد أن المغرب قد صرف ملايير هائلة. يكفي أن نستحضر ما قاله عزيز مكوار، سفيرنا في واشنطن، الذي أكد أن المغرب قد استثمر في الفترة ما بين 1975 و2010 ما يبلغ 4 مليارات من الدولار في البنية التحتية. وإذا أضفنا إلى ذلك الميزانية التي رصدها المغرب لوكالة تنمية أقاليم الجنوب ما بين 2011 و2015 والتي تبلغ 7 مليار درهم. ثم أضفنا الميزانية المخصصة للبرنامج التنموي وهي 77 مليار زائد8 مليار درهم، فسيكون المجموع العام الذي رصد لتنمية الأقاليم الجنوبية هو 132 مليار درهم في البنية التحتية لوحدها، خلال 45 سنة. أي أن المغرب كان يبذل مجهودا كبيرا يتمثل في تخصيص 3 مليار درهم كل سنة لإعمار مدن الصحراء.
وبالعودة إلى الدول المذكورة أعلاه سنجد مرة أخرى بأن تلك الدول حين استعادت مناطقها المستعمرة تم ذلك في ظروف وطنية مريحة، في حين أن المغرب حين استعاد أقاليمه الجنوبية كان يخوض حربا مع الجزائر والبوليساريو. ومع ذلك ففي الوقت الذي كان الجندي المغربي يضغط على الزناد في مواجهة العدو الجزائري كانت الهندسة العسكرية تمد الأنابيب، وكانت الشركات تحفر الطرق، وتعمر المناطق الجنوبية على جميع المستويات. وهذا ما يبرز عنصر العبقرية المغربية الذي يحق لنا أن نفتخر به.
المفارقة تكبر حين نستحضر أن المغرب خلال 45 سنة كان يرصد الميزانيات والأفكار من أجل الإعمار وجعل الحياة ممكنة ومتيسرة، في حين كانت عصابة الجزائر تنهب ثروات ومدخرات الشعب الجزائري، أي ما يعادل 80 مليار درهم في السنة ترصدها عصابة الجزائر لتمويل وتسليح البوليساريو وتمثيلياتها في الخارج، ولإرشاء المنظمات واللوبيات الجزائرية في العالم للتشويش على المغرب.
تخيلوا معي، لو تم تحويل مبلغ 80 مليار درهم التي تسرقها العصابة هناك نحو إعمار الجزائر، لكان المواطن الجزائري يرفل اليوم في النعيم، عوض وضعه المأساوي اليوم حيث لا ماء للشرب، ولا حليب ولا حرية!!