أذكر المعركة التي خاضها بقوة (وقد كنت شاهد عيان) لإقناع المسؤولين بوجوب التفكير في إنجاز نفق صغير (Trémie)، عند تقاطع طريق الجديدة مع شارع فاس بالبيضاء (قرب كلية الحقوق)، حين همت المصالح العمومية بتسطير خط الترامواي. آنذاك ( 2010/2011)، كانت السلطة العمومية تتلكأ في إدراج مشروع النفق الصغير بدعوى أن البيضاء ليست في حاجة اليه.
كان المرحوم جلول يصر ويقول إن انجاز الترامواي بدون استحضار النفق الصغير قرب كلية الحقوق، سيؤزم الوضع وسيرفع من كلفة المشاريع المستقبلية حين تود الحكومة أو الجماعة أو العمالة إنجاز طريق أو مدار أو منشأة فنية لتخفيف عذابات تنقل المواطنين.
وفي الأخير اقتنع المسؤولون بطرحه، وتم إدماج مشروع النفق في الكلفة العامة لخط الترامواي، علما أن الكلفة تكون رخيصة حين تدمج الصفقة في مشروع عام قبل انجاز الترامواي، عكس الحال لما تود إعادة انجاز النفق من جديد بعد تشغيل الترامواي.
وتم إنجاز الخط الأول للترامواي بالبيضاء مع بناء الخرسانة الفوقية لنفق كلية الحقوق. وشاءت الأقدار، أن قررت السلطة من بعد (2016)، في إطار مشروع تخفيف الاختناق المروري بمدار عزبان لضمان انسياب التنقل نحو القطب المالي بالبيضاء، إنجاز بدالات ومنشآت فنية لتوسيع طريق الجديدة (70 مليار سنتيم)، فوجدت الحكومة الطريق سالكة ووجدت نفق كلية الحقوق مهيأ سلفا ( أضيفت الخرسانة للجدار فقط)، بدون إلحاق أذى بالترامواي وبدون إضافة تحملات مالية، تم وهذا هو الأهم بدون إرهاق المشروع باضطرابات تقنية وهندسية.
استحضرت روح المهندس جلول، وأنا أعاين الجرائم العمرانية التي ترتكب اليوم بالدارالبيضاء في أهم الملتقيات والشوارع المهيكلة، بدون أن تقوم السلطات المختصة باستحضار الاحتياطات والتحضيرات الاستباقية لتجنب إهدار المال العام من جهة ولربح الوقت من جهة ثانية ولتجنب إرهاق مستعملي الطريق من جهة ثالثة.
المقام لا يسمح باستعراض الحالات الكثيرة، لكن حسبي التوقف عند ورش "الحافلات ذات الجودة العالية"، الذي ينجز الآن بطريقة بدائية وأورثوذكسية وبدون إنجاز أنفاق صغرى ( Trémies), عند ملتقيات الطرق الرئيسية لامتصاص الاختناق.
خذوا نموذج شارع القدس (في تقاطعه مع شارع أبو بكر القادري أو تقاطعه مع شارع الهاشمي الفيلالي أو تقاطعه مع شارع مكة أو تقاطعه مع شارع القاضي عياض قرب ديور باشكو)، إذ تنجز الآن المنصة الإسمنتية التي ستمر منها الحافلات المذكورة بشكل سيشق الأحياء إلى قسمين وسيعزلها عن بعضها البعض، بدون مسارب انسيابية وهو ما سيرفع من حدة الاختناق في السنة المقبلة.
الشيء نفسه يصدق في المحور المتجه من شارع يعقوب المنصور نحو طريق مولاي التهامي صوب مدينة الرحمة. إذ تم ارتكاب نفس الغلط ونفس الجريمة.
والمؤسف أن المسؤولين لايستفيدون من الأخطاء السابقة في التهيئة العمرانية للعمل على تجنبها في الأوراش الجديدة. ولنا في حالة تلاقي المدار الجنوبي للبيضاء مع طريق أزمور( قرب الإقامة الملكية) خير مثال على هذا الاحتقار للمواطنين، إذ أن "التسقريم من جهة وتكلاخ المسؤولين والتجلاج من جهة ثانية"، أدى إلى خلق بؤرة مرورية فظيعة جدا بشكل تمتد معه طوابير السيارات إلى مسافة تفوق 4 أو 5 كيلومترات في أوقات الذروة. في حين كان بالإمكان خلق نفق صغير يسمح بتخفيف الاختناق وانسياب المرور، خاصة وأن السلطة فتحت دار بوعزة وأولاد عزوز في وجه التعمير بدون إنجاز البنيات الطرقية المصاحبة.
طبعا لسنا في حاجة إلى إبراز ما يترتب عن هذه الجرائم في التخطيط والإنجاز من تعذيب الخاضعين للتكليف الضريبي من جهة، وإرهاق الشرطة بأعباء إضافية تافهة لتنظيم المرور من جهة ثانية، علما أنه في الدول المتمدنة نجد أن دور الشرطة هو محاربة الجريمة وليس تخصيص ثلث مواردها البشرية لإصلاح أخطاء الحكومة والمنتخبين ومدراء شركات التنمية، لتنظيم المرور.
إن كان الأمر كذلك فمن الأحسن إشراك الشرطة منذ البدء في التخطيط والإعداد لصفقات الأوراش الكبرى التي لها تداعيات على السير والجولان، على الأقل لتجنب الخسارات الكثيرة وتحقيق مردودية آمنة للمشاريع. فنحن نريد أوراشا هندسية تنتج رفاهية العيش بالمدينة، ولا نريد أوراشا ترعب مستعملي الطريق وترهبهم صباح مساء.
فاللهم ارحم المهندس إبراهيم جلول وارحم كل مهندس مغربي وكل مسؤول عمومي كان يحرص على إنجاز عمله بإتقان.