انطلق قطـارالحملة الانتخابية ابتداء من يوم الخميس 26 غشت 2021، في أفق خوض استحقاقات ثامـن شتنبـر في مستوياتها التشريعية والجهوية والمحلية، وتأتي هذه الحملة التي ستمتد إلى غايــة يـوم الثلاثـاء 7 شتنبر 2021، في ظرفية خاصة واستثنائية غير مسبوقة في تاريخ البناء الديمقراطي والانتخابي الوطني، مرتبطة بجائحة كورونا التي لازالت مصـرة على المزيد من الفتك والإربـاك، وإذا كانت الأحزاب السياسية ستدخل كما جرت العادة في معارك حامية الوطيس للتعريف بمرشحيها وتقديم برامجها الانتخابية، سعيا وراء كسب ثقة الفئة الناخبة، وسط هواجس الربح والخسارة وتطلعات مشروعة في التموقع الآمن والمطمئن في خريطة ما بعد ثامن شتنبر، فإن الدولة ، ستكون أمام تحديين اثنين لا ثالث لهما، أولهما: تدبير أجواء وطقوس الحملة الانتخابية حتى تمـر في إطار من الشفافية واحترام القانون، وثانيهما فرض التقيد بالإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازيـة المفروضة في إطار حالة الطوارئ الصحية.
في هذا الإطار، فمن المتوقع أن تمر الحملة الانتخابية كما جرت العادة في مواسم الانتخابات، في أجواء من الصخب واللغط والجدل والتنافس الشرس، ومن المتوقع أيضـا، أن يرتفع منسوب الإقبال على التجمعات في الأماكن الخاصة والعامة والمهرجانات الخطابية والجولات الميدانيـة والحفـلات والولائـم، بكل ما يرافق ذلك من اكتظاظ غير مطاق أحيانـا، توازيـه جرائم ماسة بالبيئة، يتحمل وزرهـا عمال نظافة لاحـول لهم ولا قـوة، وهي ممارسات، من شأنها أن تشكل تهديدا للصحة العامة.
وفي خطـوة استباقية، وضعت وزارة الداخلية جملة من الإجراءات أمام الأحزاب السياسية وخاصة أمام المسؤولين عن الحملات الانتخابية، والتي يلـزم التقيد بها طيلة فتـرة الحملة الانتخابية، تفاديـا للوقـوع في أيـة انتكاسة وبائيـة، وقـد همت هذه الإجـراءات "التقليـص من عدد الأشخاص في التجمعات العمومية بالفضاءات المغلقة والمفتوحة في حدود 25 شخصا"، و"عدم تنظيم التجمعات الانتخابية بالفضاءات المفتوحـة التي تعـرف الاكتظاظ" و"منع نصب الخيام بالفضاءات العمومية وتنظيم الولائـم"، و"عدم تجـاوز 10 أشخـاص كحـد أقصى خلال الجـولات الميدانيـة"، إضافة إلى "تحديد عدد السيارات المسموح بها في القوافل في 5 سيارات" مع "ضرورة إشعار السلطة المحلية بتوقيت ومسار هذه الجولات والقوافل"، و"منع توزيـع المنشـورات على الناخبيـن بالشارع والفضـاء العموميين وكذا بمقرات السكن "، مع "إمكانية وضع المرشحين للمنشــورات بأماكن يمكن رؤيتها والاطــلاع على مضمونها، مع تجنب توزيعها مباشرة بالأيـدي"، و"منع استعمال وسائل خاصة بالإدارات العمومية والجماعات الترابية "...إلخ.
وهـذه الإجراءات وغيرها، تضع الأحزاب السياسية وخاصة مسـؤولي الحملات الانتخابية على المحك، والذين يتحملون ولابد أن يتحملوا مسؤوليـة، السهـر على تنظيم حملات انتخابية تراعي ما وضعته السلطات العمومية من إجراءات وقائية وتدابيـر احترازية، من باب الإسهـام "المواطن" في حماية "الصحة العامة" التـي لابد أن تسمو فوق كل المصالح والاعتبارات السياسوية الضيقة، ودعم مجهودات السلطات الصحية التي تراهـن على نجاح الحملة الوطنية للتلقيــح، سعيـا وراء كسـب رهـان المناعة الجماعية. وفي إطار البدائل التي تتناسب والظرفية الوبائية، يمكن للأحزاب السياسية الرهان على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لتقديم مترشحيها والتعريف ببرامجها الانتخابية، بدل البقاء رهينة الحملات الانتخابية التقليدية بكل تكلفتها المادية والمعنوية والبيئيـة.
ومسؤولية الأحزاب السياسية ومسؤولي الحملات الانتخابيـة، لايمكن بالطبع حصرها في نطاق الإجـراءات الوقائية والتدابير الاحترازية، بـل لابـد أن تتجـاوز ذلك إلى مستـوى الالتـزام بتنظيم والإشـراف على حملات انتخابية نظيفـة مؤطـرة بما يلـزم من شـروط النزاهة و الانضباط والالتـزام والمسؤوليـة والمنافسـة الشريفـة، بمـا يضمن صون المسلسل الانتخابي وإعطـاء الاستحقاقات الانتخابية المقبلـة، ما تستحـقه من قيمـة وعنايـة و اهتمـام، باعتبـارها مدخلا لامحيـد عنـه، لتجديد النخب، وإرسـاء لبنات مؤسسات وطنية حقيقية ذات مصداقيـة، قــادرة على الدفاع عن مصالح المواطنين والترافـع بحنكة ونجاعة دفـاعا عن المصالح العليا للوطـن.
وســواء تعلق الأمر، بالتقيد بالتدابير الوقائية أو بالحرص على نزاهة الحملة الانتخابيـة، فنحـن نعـول كل التعويـل على "المواطنة الحقة" التي لابـد أن تلعب دور الضابط السياسي والأخـلاقي بالنسبة للأحزاب السياسية ومرشحيها، أما السلطات العموميـة، فـلابد أن تتحمل مسؤولياتها كاملة في حماية الحملة الانتخابية من كل الممارسات المتهورة التي من شأنهـا تعريض البلد إلى انتكاسـة وبائيـة، وفي التصدي لكل التصرفات غير المسؤولـة التي من شأنها المسـاس بحرمـة العملية الانتخابية برمتهـا.