عادت رحلة قوارب الموت وتنامي قوافل الراغبين في مغادرة البلاد لتخيم على الجزائر، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية التي تضرب بالبلاد طيلة الأعوام الثلاثة الماضية.
ولئن كانت الرغبة في الهجرة أمرا معتادا في الجزائر، منذ انكشاف سوءات الحكم العسكري الفرداني الذي يهيمن على الجزائر منذ الاستقلال، فإن تنامي هذا الهاجس في السنوات الاخيرة له دلالات خاصة.
الرسالة التي يحملها تنامي رغبة الطاقات الشابة في مغادرة البلاد، هو فشل العصابات الحاكمة في الجزائر وعلى مر العقود الماضية في صياغة سياسات واقعية قادرة علي بناء الأحلام التي تدفْ الشباب للاستقرار في بلادهم وبناء مستقبلهم وفق الموجود لديهم.
أما الرسالة الثانية ُفتكمن في عجز القيادات السياسية المتعاقبة في الحكم والمعارضة في بناء الثقة بينها وبين الشعب على نحو يقود الى حوار حقيقي وجدي يعالج ما أشكل من قضايا تنموية تعيد الأمل للشباب بامكانية الحياة الكريمة في بلاده.
تبقى الرسالة الاقوى هي أن النخب السياسية التي بشرت بتحويل الجزائر الى بحبوحة اقتصادية مستفيدة من ارتفاع أسعار الطاقة، السلعة الجزائرية الابرز، قد انتهت الى اللاشيء بعد تراجع أسعار الطاقة وعودة الحديث عن الغاز الصخري، والمغامرة بمستقبل الجزائريين الذين لازال كثير منهم ثمن تجريب الأسلحة الفرنسية منذ أيام الاستعمار.
إن استمرار قوافل المغامرين بحياتهم من أجل الهجرة إلى الشمال من أبناء الجزائر الغنية بالنفط والغاز فضلا عن الذهب، لن تعالجها مظاهر الهروب إلى معالجة قضايا خارجية وافتتاح معبر حدودي مع موريتانيا أو الحديث عن دور موهوم للسلام في مالي أو ليبيا أو غيرها من دول الساحل الأفريقي، وإنما سياسة داخلية شفافة تفسح المجال للجزائريين لأن يكون شركاء في استغلال خيرات بلادهم بالتساوي