تأسيسا على ذلك، من العار أن نترك عنق الدار البيضاء: أي مسجد الحسن الثاني، أجْرَد بدون أن يتم تزيينه بقلادتين أو تحفتين عمرانيتين عن يمينه وعن شماله.
فالمتأمل لخريطة الاستثمارات والأوراش الكبرى المفتوحة بالبيضاء في العشرية الأخيرة، سيثيره السؤال الحارق المتمثل في سبب تغييب السلطات العمومية (مركزية ومحلية) لمنطقتين رافعتين لمسجد الحسن الثاني: المنطقة الأولى تخص تعثر إعمار خليج البيضاء المجاور لمنار العنق وديور لمخازنية. أما المنطقة الثانية فتتمحور حول إهمال ملف المحج الملكي الذي مازال يتجرجر منذ تسعينات القرن العشرين إلى اليوم، ولم يخرج إلى حيز الوجود بعد لربط مسجد الحسن الثاني بوسط المدينة مرورا بمدرسة القبة ووصولا إلى فندق ريجنسي.
مشروعية هذا المطلب ترتبط بالتدخلات العمومية التي همت المدينة القديمة بالدار البيضاء (نقصد المنطقة الموجودة داخل السور). هذه التدخلات، وإن كانت محمودة ومطلوبة، فإنها تبقى ناقصة في إشباع طموح البيضاويين، وبالتالي إشباع طموح المغاربة في رؤية طفرة تعميرية وعمرانية وجمالية بمحيط معلمة مسجد الحسن الثاني.
لا ننكر أن المدينة العتيقة بالبيضاء أدخلت للرادار في العقدين الماضيين، بعد أن كانت مقصية في سنوات الرصاص السياسي والجماعي. بدليل أن المدينة العتيقة بالبيضاء، رغم أن مساحتها لا تتعدى 47 هكتارا من أصل 102 ألف هكتار المساحة الإجمالية للعاصمة الاقتصادية (أي لا تمثل سوى 0.04 في المائة من المجموع العام للبيضاء)، فإن المدينة العتيقة ظلت هي المسرح المفضل لترجمة كناش تحملات محمد السادس منذ مجيئه إلى الحكم.
ففضلا عن زياراته المتكررة لها بمعدل 3 إلى 4 زيارات كل عام (قبل 2019، بالنظر إلى أن وباء كورونا فرض منذ 2020 تدابير احترازية بالعالم ككل)، نجد أن الملك محمد السادس خص المدينة العتيقة بالبيضاء بامتياز لم تحظ بها أي منطقة بالمغرب. ويظهر ذلك من خلال مشروع التأهيل الذي رصد له في الشطر الأول (2010 - 2013) مبلغ 300 مليون درهم. وهو مبلغ مهم إذا استحضرنا الساكنة المستهدفة (47 ألف نسمة) واستحضرنا الرقعة الجغرافية المعنية بالتأهيل الحضري (47 هكتار)، أي أن الملك خصص ما مجموعه 2.127.659 درهما للهكتار الواحد بالمدينة القديمة كل عام. وهي نسبة عالية إذا قارنا مجموع الاستثمارات العمومية المرصودة لباقي تراب الدار البيضاء في باب التأهيل الحضري (طرق، ماء، تطهير، إنارة، نقل... إلخ.)، حيث لم تتعد مبلغ 36.350 درهم لكل هكتار بباقي تراب الدار البيضاء كل عام. بمعنى أن المكانة التي تحتلها المدينة القديمة في الأجندة الملكية تساوي 58 مرة مقارنة مع باقي التراب الجهوي.
المؤشر على ذلك أن المبالغ المرصودة إذا وزعناها باحتساب كل فرد، نجد أن القاطن بالمدينة القديمة بالبيضاء استفاد من 2127 درهما للتأهيل الحضري كل عام بينما لم تتجاوز النسبة عند باقي البيضاويين 836 درهما لكل فرد كل عام.
هذا المجهود سيتجدد ترسيخه يوم الثلاثاء فاتح أبريل 2014 بعد أن أعطى الملك محمد السادس الإذن لمباشرة الشطر الثاني من برنامج تأهيل المدينة القديمة (INTRA MUROS) بغلاف مماثل (30 مليار سنتيم) خلال الفترة 2014 - 2018، وتم تكليف الوكالة الحضرية للدار البيضاء بالاستمرار في الإشراف على الملف بدل منحه للبلدية خوفا من توظيف المشروع في حسابات سياسية تافهة، وخوفا أيضا من أن يتم إقبار الملف مثلما أقبر مجلس المدينة ملفات عديدة تولى الإشراف عليها من قبل.
هذا التمييز الإيجابي لفائدة المدينة القديمة لم يكن عبثا، بل كان خطة مفكرا فيها في سياق الأوراش الأربعة الكبرى المفتوحة بالمملكة منذ عام 2000، ونعني بها: ورش المصالحة مع الماضي وورش المشاريع الكبرى المهيكلة وورش محاربة الاقصاء والهشاشة وورش الملفات المنتجة للثروة.
ففي ما يخص الورش الأول، يفسر الاهتمام الملكي بالمدينة القديمة بالبيضاء بالرغبة في المصالحة وطي سنوات الرصاص الجماعي الذي حول المدينة القديمة كما قلنا إلى مجال مقصي من كل الخدمات الدنيا، أي إلى «خربة».
أما الورش الثاني فيجد سنده في ترجمة التوجهات الكبرى للمخطط المديري الذي نص على وجوب فتح الميناء على مدينة الدار البيضاء مع ما يستتبعه ذلك من مشاريع ضخمة مهيكلة ( نموذج وصال الذي بدأت أساساته تنهض بمحيط الميناء). وبالتالي من العار أن تنهض أساسات هذه المشاريع بساحل الميناء لتطل على منبت هش.
وهذا ما يقود إلى الورش الثالث المتمحور حول إعطاء الأولوية لمحاربة الهشاشة الاجتماعية، خاصة وأن الإحصائيات بينت أن المدينة القديمة بالبيضاء هي الحاضنة لأعلى المعدلات على الصعيد الوطني.
أما الورش الرابع (المشاريع المدرة للثروة) فيجد مشروعيته في الالتزامات المسطرة في الشطر الثاني من برنامج التأهيل الحضري للمدينة القديمة التي نصت على وجوب تنمية ورد الاعتبار للأنشطة التقليدية وفتح ورشات الصناعة التقليدية على الفضاء العام وإعادة تأهيل الأحياء التجارية وخلق أسواق متخصصة بما يضمن تنشيطا للدورة الاقتصادية بهذه المنطقة، وهو ما تم تنفيذه تقريبا.
من هنا مشروعية المطلب المتمثل في الحاجة إلى نفض الغبار عن مشروعي المحج الملكي وخليج العنق لتكتمل الهندسة الحضرية للعاصمة الاقتصادية من جهة ولإعطاء دفعة كبيرة في خلق دينامية عمرانية واقتصادية ستعود بالخير الوفير على المغرب من جهة ثانية، فضلا عن تمكين البيضاء من كافة المقومات من أجل تحصينها لتبقى المعبر الضروري لكل من يود المرور إلى إفريقيا من جهة ثالثة.