- حراك الريف امتد في الزمن بشكل مثير للتساؤل، ما سبب هذه الأزمة في نظرك؟
l لا يمكن أن نطلق على حراك الريف مصطلح أزمة، بل هو حراك يأتي نتيجة أسباب موضوعية ترتبط بظروف اقتصادية واجتماعية يعيشها الإقليم، كما لا يمكننا استبعاد الظروف التي تعيشها باقي المناطق بالمغرب..
- (مقاطعا) هذه هي المفارقة.. فهناك مناطق تعرف واقعا أفظع وأبشع من الناحية الاجتماعية مقارنة مع الحسيمة ومع ذلك لم تبرز فيها الاحتجاجات القوية بمثل ما برز بالحسيمة بالذات. لماذا؟
l سبق لي أن كتبت حول هذا الموضوع، فمجموعة من الأصدقاء كانوا يتساءلون على المستوى الوطني و كانوا ينتقدون حراك الريف انتقادا غير موضوعيا، مشيرين الى أن الوضع في إقليم الحسيمة أفضل من عدد من الأقاليم ، حيث يتفشى الفقر...الخ، فكان جوابي واضحا وصريحا.. أولا حق الاحتجاج والتظاهر السلمي هو حق مضمون من طرف جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو أيضا متضمن في القانون المغربي والدستور المغربي.
المسألة الثانية هي أن الاحتجاج غير مرتبط بالفقر، بل مرتبط بمنسوب الوعي، وأكيد أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي ليس على ما يرام في إقليم الحسيمة..فهناك بطالة وغياب مشاريع على مستوى المنطقة، فشل النموذج التنموي ككل وهذا ليس فقط في المنطقة، بالإضافة إلى تعثر الكثير من المشاريع التنموية التي أطلقت بالإقليم، نظرا لطبيعة السياسات العمومية التي أنجزت، والتي كانت فاسدة، فهذه كلها أسباب أدت إلى هذا الوضع، بالإضافة إلى ذلك يتعين استحضار عنصر آخر مرتبط بالحمولة التاريخية لمنطقة الريف، وإرث المنطقة والذاكرة الجماعية للمنطقة، والذي أدى إلى ارتفاع منسوب الوعي لدى القاطنين بالمنطقة. ولما أقول الريف فأنا أقصد ليس الريف بمفهومه الكبير بل أقصد إقليم الحسيمة وإقليم الناظور وما جاورهما، بحكم أن هذه المنطقة مازالت ذاكرتها متقدة، تمتلك إرثا تاريخيا طويلا في النضال ضد الاستعمار، ولها إرث تاريخي طويل في المقاومة والممانعة ضد الاستبداد المخزني ابتداء من 1956 من القرن الماضي فما فوق. إذن، هذا التاريخ الطويل من الانتهاكات ومن المقاومة والممانعة والوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش الذي يعاني منه الإقليم الحسيمة أدى إلى هذه الاحتجاجات..
- تتحدث عن فترة سنوات الرصاص، ألم تتمكن أعمال هيئة الإنصاف والمصالحة من رتق هذه الجروح وطي المآسي التي تحدتث عنها؟
l مع انطلاق ما سمي بمسلسل الإنصاف والمصالحة، تم قطع الجلسات العمومية بإقليم الحسيمة وتم تهريبها الى مكان معين ولم تفتح في وجه العموم، وشهدت حضورا أمنيا مكثفا كي لا يحضرها الناس.. من هنا يتضح أنهم منذ البداية كان لهم موقف من الكيفية التي تم بها تدبير الإنصاف والمصالحة بالمغرب. ونحن لما نتحدث عن الإنصاف والمصالحة نتحدث عن العدالة الإنتقالية بصفة عامة. فالهدف من الإنصاف والمصالحة ليس هو تعويض المتضررين من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بل تندرج ضمن رؤية عامة، وهي مدخل من مداخل العدالة الانتقالية بالنسبة للدول التي عاشت تحت وطأة أنظمة استبدادية . وبالتالي فقبول المغرب بتدشين مسلسل الإنصاف والمصالحة هو إقرار ضمني بأن المرحلة التي سادت من قبل هي مرحلة اتسمت بالإستبداد السياسي وبالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ولقد استبشرنا خيرا بهذا الاعتراف الضمني. وقد كنا نستبشر بالانتقال إلى نظام سياسي ديمقراطي، وبالتالي فلما نتحدث عن نظام سياسي ديمقراطي، فإننا نتحدث عن الكثير من الأشياء التي ينبغي المرور منها. فمن مستوى الإقرار بوقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان إلى مستوى آخر قائم على الحق في معرفة الحقيقة.
ومع الأسف، فإن شرط العدالة الانتقالية لم يتحقق في المغرب، فلحد الساعة نجهل كيف حدثت الانتهاكات ولماذا ومتى وقعت، علما أن من المبادئ المؤسسة للعدالة الانتقالية هو المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، مع الإشارة إلى أن هناك بعض التجارب في العالم التي اعتمدت أسلوب ما يسمى بالرأفة في التعاطي مع مبدأ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب ولكن على الأقل ينبغي علينا معرفة الأشخاص المرتكبين لهذه الانتهاكات، أو على الأقل أن تصدر في حقهم إجراءات تأديبية إدارية. مع الإسف لم نتعرف على أسماء هؤلاء، ولم تتخذ في حقهم أية إجراءات، بل هناك من المسؤولين عن تلك الانتهاكات الجسيمة من لازالوا يمارسون مهامهم لحد الساعة..
فالعدالة الانتقالية في المغرب فشلت في تحقيق أهدافها، لأنها أصلا لم تحترم المبادئ المؤسسة للعدالة الانتقالية، وخاصة في ما يتعلق بالحق في معرفة الحقيقة، وحفظ الذاكرة. وأعتقد أن هاتين من النقاط التي من الممكن أن تطرح مستقبلا من طرف حراك الحسيمة، فلما يرفع رمز عبد الكريم الخطابي فليس باعتباره رمزا للانفصال، بل باعتباره رمزا للمقاومة. فلو تمت إعادة قراءة التاريخ وتم ضمان ممارسة الحق في معرفة الحقيقة بشكل سليم لتم تدريسه في المقررات الدراسية باعتباره كان مقاوما نفتخر به كمغاربة وليس فقط رمزا لمنطقة بذاتها. الشي نفسه يسري على العلم (يقصد علم الريف - المحرر) فهو علم للمقاومة على المستوى الوطني وليس علما يرمز لقيام دولة سميت كذا في ظروف معينة وفي محيط دولي معين.. سميت بجمهورية اتحاد قبائل الريف. إذن العلم له رمزيته ودلالته في المقاومة ضد الاستعمار وليس في اطار قيام كيان سياسي معين، وهذا الأمر كان ينبغي قراءته في إطار الذاكرة المشتركة..
الذين يرفعون شعار جمهورية الريف فاقدون للمصداقية ومنهم من يتاجر بالمخدرات
- ولكن هاهي تحركات تتم في أوروبا ضد المغرب..في هولندا وبلجيكا باسم جمهورية الريف وباسم الانفصال و باسم الشعب الريفي، ألا ينهض ذلك كحجة على وجود من يركب على حراك الحسيمة لتأجيج الاحتقان وتصفية الحسابات؟
l ولكن من ترك هذه الفراغات كي يتم توظيف هذه الرموز من طرف بعض الأشخاص..الدولة والأحزاب تركت هذه الفراغات. وهذه الفراغات أضحت تملأ من طرف أشخاص نحن نعرف جيدا أنهم يفتقدون للمصداقية..من يتحدث الآن عن الجمهورية بأوروبا، نحن نعرفهم جيدا والدولة تعرفهم جيدا والعالم يعرفهم..إنهم أشخاص يفتقدون للمصداقية، أشخاص يعانون من البطالة فهم لايعملون حتى في الدول التي يقيمون بها ومع ذلك يمتلكون الأموال، وهذا المعطى معروف في أوربا، ولدى بعضهم مجالات أخرى للإشتغال لدى الجميع.. مثل الإتجار في المخدرات على المستوى الدولي وما شاكل ذلك..
- كيف تفسر أن جزءا كبيرا من سكان الحسيمة ينساقون وراء تحركات هؤلاء الذين رسمت لهم بروفايل أشخاص يتاجرون في المخدرات على المستوى الدولي؟
l ليس هناك أي التقاء.. فهل كل من يرفع العلم هو جمهوري؟ لقد قلت لك قبل قليل إن هذه قراءة خاطئة للتاريخ وللذاكرة.. لقد فرطنا في المبادئ المؤسسة للعدالة الانتقالية بما فيها حفظ الذاكرة وإعادة كتابة التاريخ والحق في معرفة الحقيقة، والمساءلة والعقاب لضمان عدم تكرار ما وقع، وهو ما جعل هذه الرموز والشخصيات توظف من طرف أشخاص لا مصداقية لها سواء على المستوى الأوروبي أو على مستوى الريف أو على المستوى الوطني.. أخطأنا في حق الشعب المغربي ككل وليس فقط على مستوى الريف، وهذا نتحمل فيه نحن أيضا نصيب من المسؤولية.
هذا رأيي في نخبة الريف الموجودة بمراكز القرار
- دائما نحمل المسؤولية للدولة، ألا ترى معي أن النخب الريفية بدورها مقصرة في التعريف بهذا الموروث المغربي الذي أشرت إليه، لماذا لم نسمع صوتا لنخب الريف لحماية موروث المغاربة في المقاومة ضد الإسبان لتعميم المعرفة على الجميع؟
l أؤكد هناك تقصير.. ولكن هناك عمل أنجز في هذا الاتجاه، فنحن في منتدى حقوق الإنسان في شمال المغرب وكثير من الجمعيات الأخرى، اشتغلت على هذا الموضوع وحاولت التأصيل لهذا الموروث الثقافي والنضالي المشترك ولرموز الذاكرة الجماعية. ولكن للأسف هي قراءات لا تحظى باهتمام على مستوى الدولة، بل الأكثر من ذلك أن هناك حصار على كل منتوج من هذا القبيل، فالدولة لا تريد سماع هذا النوع من الكلام.
- كيف تقول إن الدولة لا تريد سماع هذا النوع من الكلام ونحن نرى في مواقع المسؤولية بأعلى الهرم مسؤولين ينحدرون من الريف ويتولون مهام سامية على المستوى الأمني والحكومي والحزبي والبرلماني والإداري، ألم يستطع هؤلاء إيصال هذا الصوت وهذه الحرقة الى مركز القرار؟
l أنت تعلم جيدا كيف تشتغل الدولة المغربية، وما ينطبق على الريف ينطبق على باقي المناطق في المغرب.
نحن نعرف جيدا من يتبوأ المسؤولية، وعلى ضوء ما يعرفه المغرب الآن من احتقان اجتماعي ومن أزمة شاملة ومن وضع سياسي مهترىء أنت تعرفه ويعرفه الجميع. وأعتقد أن ما يجري يتحمل مسؤوليته الجميع بمن فيهم هؤلاء، فهؤلاء لا يختلفون سواء كانوا من الريف أو الجنوب أو من الوسط او من الغرب أو من الشرق.. إنهم ملة واحدة وهم يطبعون مع الفساد ونعلم حجم الفساد المستشري في جسم الدولة المغربية ككل. هذا الفساد المستشري في جميع هياكل الدولة، هو ما أشار له الملك كذلك في خطاب العرش، حيث تحدث عن وضع مأساوي بالمغرب على مستوى المؤسسات، على مستوى البرلمان، على مستوى الأحزاب، على مستوى الحكومة، على مستوى الإدارة.. إذن، فهذا الوضع السيء جدا في إطار تشخيص خطاب الملك في ذكرى عيد العرش، يحمل إشارة واضحة أن لا شيء يتحقق. وبالتالي فهذه الشخصيات التي تحدتث عنها والتي تنحدر من الريف، والتي من الممكن أن تعرف برموز المنطقة وبذاكرتها الجماعية لا يمكنها القيام بذلك، لأن المنظومة السياسية أصلا، التي تشتغل في إطارها، في منظومة مناهضة لهذا النوع من التفكير، ليس فقط ما يهم الريف، بل أيضا في الأطلس، حيث هناك تاريخ عريض من المقاومة، لكن للأسف لا يستمثر لصالح المغرب ولصالح مستقبل المغرب. بالصحراء الشيء نفسه، فهناك أيضا تاريخ عريض من المقاومة، ولكن مع الأسف هذه الرمزية مهمشة، مقابل إعطاء الأهمية لرمزية مصطنعة معروفة بولائها للإستعمار..
- كيف تتعاملون كمنتدى مع ملف سجناء حراك الحسيمة في مختلف المراكز السجنية في المغرب؟
l أولا نحن نقوم برصد جميع الخروقات في ما يتعلق بحراك الريف، نرصد ايضا الخروقات أثناء الاعتقال، ونحن بصدد التحضير لإصدار تقرير سيكون دقيق جدا منذ انطلاقة الحراك إلى حدود الآن، وسيكون تقرير شامل لم يسبق لأي هيئة أن أصدرت مثيلا له من قبل.
- في انتظار عرض تقرير المنتدى على الرأي العام، ماهي الملامح الكبرى لهذا التقرير؟
l اعتمدنا فيه على قراءة الوضع على مستوى الحسيمة ككل، الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وانطلاقة الحراك وكيف كانت.. وبالتالي هناك قراءة شاملة للوضع قبل الحراك، هذا بالنسبة للمحور الأول كي نعرف ماذا جرى؟ ولماذا وقع هذا الحراك؟ في علاقة مع الذاكرة وعلى مستوى ما وصلت إليه هيئة الإنصاف والمصالحة وأيضا على مستوى الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإقليم. هذا هوالإطار العام الذي انطلقنا منه. كما توقفنا عند ما صاحب الحراك من انتهاكات وخروقات من جميع الأطراف. أما المحور الثالث فخصص للاعتقالات والانتهاكات الجسيمة التي مورست في حق المعتقلين، كما ستصدر توصيات ضمن أربعة محاور في نفس التقرير.
- مارأيك بخصوص المبادرات المدنية التي أطلقت لحلحلة ملف الحسيمة، والتي جاءت كلها من أماكن من خارج حوض الريف ، لماذا لم تشارك نخب الريف في هذه المبادرات المدنية،علما أنهم أبناء المنطقة ولهم دراية بالملف وبالأشخاص؟
l أي مبادرة في هذا الاتجاه مستحبة، ولكن المبادرة عندما تفتقد للضمانات القانونية والسياسية فكن على يقين أنها لا تحقق أي شيء على الأرض، بقدر ما تعتبر مبادرات من أجل تطويع وإذلال المعتقلين. شخصيا استشرت في الكثير من المبادرات وامتنعت عن حضور أي مبادرة منها، باستثناء مشاركتي في مبادرة وحيدة قبل الاعتقالات، وكانت بتوافق مع نشطاء الحراك قبل اعتقالهم، وكذلك باتصال مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وقد اشتغلنا على هذه المبادرة بشكل جيد منذ أواسط شهر أبريل إلى حدود أواسط شهر ماي الماضيين، قبل مظاهرة 18 ماي 2017 التي كانت مظاهرة مفصلية في حراك الريف، ومع الأسف فالمبادرة كانت تسير بشكل جيد وكنا قاب قوسين أو أدنى من إعلان انطلاق الحوار بين الدولة وبين قادة الحراك.
- لماذا فشلت هذه المبادرة؟
l مع الأسف، هناك لوبيات ضاغطة من داخل الدولة، والتي مازالت تحن إلى ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي دفعت في اتجاه المقاربة الأمنية. وقد اتضحت المحاور الكبرى للمقاربة الأمنية قبل مظاهرة 18 ماي التي نظمها نشطاء الحراك ضد الانفصال، حيث اتخذ قرار رفض أية مبادرة يومين قبل هذه المظاهرة وتم تبني منطق إعمال القوة في التعامل مع المتظاهرين وإخماد الحراك بالقوة رغم ما يمكن أن يحمله من تداعيات. وها نحن الآن نعيش مرحلة «الكاو»، حيث أن هناك وضعا محتقنا على مستوى الإقليم، حتى وإن تم إخماد زخم الحراك مقارنة مع الحجم الذي كان عليه من قبل عبر اعتقال المئات من النشطاء وعبر الانتهاكات الجسيمة التي رافقت هذه الاعتقالات، وهناك آلاف من القوات الأمنية بمختلف أشكالها ويمكنني أن أعتبرها «رهينة» في الإقليم. وعدم وجود مظاهرات كبرى لايعني نجاح المقاربة الأمنية.
- لكن البعض يقول إنها مقاربة قانونية، أي إعمال القانون في حفظ الممتلكات وحفظ حريات الأشخاص ووجوب احترام المساطر، وليست مقاربة أمنية؟
l كان من المفروض أن يتم الإحتكام الى العقل.. إلى مقاربة العقل وليس مقاربة «الزرواطة»، مقاربة «الزرواطة» ليست مقاربة قانونية بل هي مقاربة قمعية. وخير دليل على ذلك هو الانتهاكات التي وقعت، والتي وصلت إلى مستوى الإنتهاكات الجسيمة.
- كيف تقرأ تناسل الإشاعات التي يتم ترويجها عبر شبكات التواصل الاجتماعي في كل ما يهم حراك الحسيمة، فكل مرة نسمع إشاعة معينة، فمن يا ترى يحرك هذه الماكينة التي تنتج الإشاعات حول الحسيمة؟
l شبكات التواصل الاجتماعي قربت العالم الذي أضحى قرية صغيرة على مستوى تبادل المعلومات. والدول، الآن أضحت تدرك أن عالم الوسائط الاجتماعي ينبغي التحكم فيه. وبالتالي تم ضخ ميزانيات كبرى من طرف مختلف دول العالم من أجل تتبع ما يحدث عبر الشبكات الاجتماعية ومراقبتها ومن أجل التشويش على الكثير من القضايا التي يمكن أن تثار. فبرزت شبكات كبرى ممولة من طرف الدولة وأخرى ممولة من طرف الأحزاب، ويمكنك اعتبارهم «هاكرز» أو سميهم ما شئت، فهدفهم هو الدخول إلى الشبكات الاجتماعية والتشويش وتشويه الأشخاص. اليوم هناك حرب خفية على مستوى الوسائط الاجتماعية وتخصص لها أموال طائلة.. ويمكن أن نسمع الكثير من الأشياء التي لا علاقة لها بالواقع والتشهير بالأشخاص، تزييف الحقائق، في إطار حرب إعلامية تشرف عليها أجهزة معينة مرتبطة بأحزاب أو بدول أو بحكومات أو بأنظمة سياسية.
ورقة المؤامرة الخارجية ليست جديدة، بل سبق إشهارها عام 1958
- مازال هناك بياض بشأن موقفك من السؤال حول استغلال أطراف خارجية لحراك الحسيمة للركوب عليه..
l التاريخ الذي اشتهر به إقليم الحسيمة هو تاريخ، كما قلت لك، تاريخ من الممانعة ضد الدولة، ليس للانفصال عنها كما يتم التسويق لذلك، بل ليتمتع الإقليم بحقه في المواطنة. أما إطلاق الاتهام بوجود تآمر خارجي أو وجود مؤامرة داخلية لتصفية حسابات بين أحزاب، فهو طرح واه وليس باتهام جديد، إذ سبق وعشنا نفس الوضعية بعيد الاستقلال.
- معنى هذا، أنك تنفي تورط «البام» و«البيجيدي» في عملية «تسخين الطرح» في حراك الحسيمة بسبب الاقتتال بينهما للظفر بالقلاع الانتخابية بالريف..
l ليس هناك أي دخل للبام أو للبيجيدي في هذا الحراك، لسببين بسيطين: الأول شرحته لك بإسهاب ويتمثل في كون إقليم الحسيمة رآكم تاريخا رصيدا من المقاومة والممانعة. والسبب الثاني يتجلى في أن الدولة بنفسها تعرف أن هذه الأحزاب ليس لها تأثير في المنطقة لأنها فاقدة للمصداقية.
- (مقاطعا).. هاهو البرلماني السابق شعو، وجهت له الاتهامات بتغذية الاحتقان بالحسيمة، هل يمكن أن نبرئه هو الآخر من خانة التآمر الخارجي، علما أن ماضي شعو معروف بالسواد وبالمخدرات؟
l شعو وجد وضعا حاول أن يركب عليه. أما القول إن هناك مؤامرة خارجية بشأن حراك الحسيمة، فهذا أمر ليس بجديد، إذ سبق وعشنا نفس الوضعية في انتفاضة 1958، حيث قيل آنذاك بأن أزمة الريف هي مجرد تصفية حسابات بين الحركة الوطنية وحزب الاستقلال، وتم اتهام المنتفضين وقتها بالعمالة لجمال عبد الناصر بمصر. وهذا يبرز أن الدولة تبحث دائما عن مشجب تعلق عليه فشلها، ليس بالريف لوحده بل بعموم التراب الوطني، حيث ما أن تخرج الساكنة في مظاهرة بمنطقة ما للاحتجاج على تردي أوضاعها حتى تخرج الحكومة ورقة المؤامرة الخارجية، علما أن هناك مشاكل حقيقية ببلادنا على مستوى الديمقراطية وعلى مستوى حقوق الإنسان وعلى مستوى التنمية. إن وضعنا مأزوم، ويتعين البحث عن الحل داخلنا وليس بالبحث عن مشجب «المؤامرة الخارجية».
- أصحاب هذا القول يستندون إلى معطى يتجلى في أن الريف جغرافيا وأنتربولوجيا ليس هو الحسيمة فقط، بل يضم تارجيست والدريوش والناظور، لكن الملاحظ أن الحراك يقتصر على الحسيمة فقط والمناطق الأخرى غير منخرطة في هذه الدينامية الاحتجاجية، بما يسقط تلك المظلومية التي يرفعها البعض بان السلطة المركزية لها جفاء اتجاه الريف ككل. ما رايك؟
l أجدد ما قلته لك بشأن الإرث التاريخي الذي يميز الحسيمة، فالمنطقة لها ثقل ورمزية كانت بالأساس في أجدير وفي قبيلة بني ورياغل. وبالتالي، لما نتحدث عن الحسيمة فنحن نعني تلك المنطقة التي مازالت فيها الذاكرة متقدة وحية. والدولة إن استطاعت تحريف الذاكرة التاريخية الممتدة من القصر الكبير إلى حدود بركان، إلا أنها لم تتمكن من إطفاء جذوة هذه الذاكرة لدى سكان منطقة الحسيمة التي كانت - في عهد الاستعمار- بؤرة للمقاومة، واليوم هي بؤرة للمطالبة بمغرب آخر ممكن.