ليس الإنسان مجرد معطى في هذا الوجود، وإنما هو كائن سياسي، فمنذ القدم ثم اعتبار الكائن البشري كائنا سياسيا، وهذا ما عبر عنه التعريف الأرسطي بكون "الإنسان حيوان مدني "سياسي" بطبعه" فالإنسان له القدرة والكفاءة العقلية والعلمية على التنظير والتسيير والتدبير وعلى تشريع القوانين ووضع السلط والقوانين والمؤسسات للاحتكام إليها، ولهذا تعد السياسة من شروط وضعنا البشري، حيث هي ما يجعله وضعا منظما ومهيكلا ومسيرا بكيفية عقلية، قانونية ومؤسساتية، بدلا من أن يكون وضعا فوضويا وغير متجانس في مكوناته، حينما تغيب السياسة والتسيير الرشيد يحل العنف والدمار والفوضى، من هنا نستشف أهمية السياسة في حياة الإنسان سواء الفردية أو الجماعية.
إن الحديث عن السياسة يجرنا بالضرورة للحديث عن الأحزاب السياسية مما دفع بعض الدارسين إلى وصف القرن الواحد والعشرين بقرن الأحزاب، التي أضحت ظاهرة كونية منتشرة في بقاع العالم، إذ لم يعد في الوقت الراهن نتصور مجتمعا بدون أحزاب سياسية أو تصور الحياة السياسية بمعزل عن الأحزاب، فهي من الناحية المبدئية والنظرية على الأقل، إحدى أدوات التحديث السياسي بامتياز. فهي تشكل الإطارات السياسية الملائمة لنشر الأفكار والقيم والمبادئ الحداثية، وتأطير المواطنين وتعبئتهم لخوض المعارك السياسية، ونشر الأفكار والقيم والمبادئ وتأطير الشباب وتوجيههم وتنشئتهم تنشئة سياسية، لكن هذه الأحزاب والنخب السياسية تخلت عن الدور المنوط بها، خاصة في زمن الوباء الذي كنا فيه بحاجة ماسة إلى الحزب ووظائفه، ليتبدى لنا أن هذه الأحزاب تعيش الركود والخمود، واختفاء العديد من الأحزاب السياسية في زمن الوباء، فهي لم تكلف نفسها عناء التوجيه والإرشاد والمساعدة، بل أصبح يدرك المواطن كون بعض الأحزاب السياسية لا تخرج للعلن إلا إبان الفترة الانتخابية، وهذه الأمور وأخرى كرست لمشهد سياسي ميؤوس منه وملتبس، ولا سيما في ظل زمن كرونا وما آلت إليه هذه الأحزاب إن الواقع اليوم بات فضاء معطوبا يعيش فيه الشباب حياة تتسم بعدم الاطمئنان النفسي والاقتصادي، ويعتنقون اليأس ويستشعرون اللامعنى واللاجدوى من السياسة والبقاء على هذه الأرض ليركبوا قوارب الموت، أو كما يحلو للشباب تسميته ب "الهروب" أو "الحريك" ، والحال أن مفهوم الهروب أو الفرار من وضع ميئوس منه إلى وضع آخر يشعر فيه الشباب بالاعتراف والتقدير والاحترام وتحقيق الأحلام، إن الحديث حول مفهوم الشباب، الذي يعتبره بورديو مجرد كلمة لا وجود لها في الواقع، وأن مفهوم الشباب وإن سلمنا بوجوه فهو يختلف من مجال لآخر، فالشاب في الاقتصاد ليس هو الشاب في السياسة، ونقصد هنا علاقة بين الشباب والسياسة، بعبارة أخرى هل يهتم الشباب بالسياسة اليوم، وقد عبرت العديد من الدراسات والأبحاث أن الشباب لم يعد يهتم بالسياسة نتيجة العديد من العوامل من بينها أن النخبة السياسية هي التي تمنعهم من ممارسة السياسة والاهتمام بها، نستنتج من هذا القول، إن هناك استبداد سياسي واحتكار للممارسة السياسية، وهذا لا يعني أن الدخول إلى نسق النخبة السياسية مسدود ومغلق، بل يتجدد كما تتجدد كل النخب، لكن الدخول إلى عالم النخب السياسية واقتحام الانتخابات ليس أمرا سهلا وفي متناول الجميع، فالنخب أو الفاعلين السياسيين القدامى يستعملون كل الطرق والاستراتيجيات للحفاظ على السلطة والفوز في الانتخابات، فالفاعل السياسي حينما يشعر بالخطر يلجأ إلى الأفعال المنطقية ولا منطقية لإزالة الخطر، وهنا نقول إن النخب السياسية تعادي من ينافسها، تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الأحزاب السياسية نفسها تمنح التزكية للأعيان أو الذين ترى فيهم تحقيق الفوز، وبالنسبة للجدد ناذرا فيما يحصلون على التزكية من حزب معين. قد لا نجانب الصواب إن قلنا إن عدم اهتمام الشباب بالسياسة راجع إلى افتقادهم للمال، فهو يلعب دورا أساسيا في السياسة خاصة في فترة الانتخابات، فالحزب نفسه يبحث عن "مول الشكارة" فهو الذي يطعم الجائع ويكرم الضيف ويعين المريض، بل يفرق الأضاحي على الناس، ودعم المواسم، ويعيل أهل الميت، وتقديم الهبات والهدايا، وتوزيع الأموال على العائلات الفقيرة...، كل هذه الطرق تستعمل كوسيلة من أجل التغلب على الخصم، إن النفور الحاصل اليوم بين الشباب والسياسة بات واضحا للعيان، ومنه نحاول البحث عن الحلول والمقاربات التي تردم الهوة الحاصلة بين الشباب والسياسة وإقامة الصلح بينهم، إن الواقع الملتبس للسياسة اليوم، لا يمنعنا من القول إن السياسة أخلاق، أو يمكن أن نجعل منها فضيلة، أو صراع أخلاقي وفق شروط معينة من أجل مغرب جديد يؤمن بالكفاءة وينشد الديمقراطية والعدالة، إن الاهتمام بالأحزاب وقيامها بالأدوار المنوط بها من تأطير وتنشئة سياسية وتوجيه وإرشاد، قد نتمكن من صنع مغرب تطلعات تقدمية ديمقراطية.