لو كنت ناصحا لمن يهمه أمر هذه المدينة، فيم، كانعلق بنموذج التنمية المحلية والجهوية، لما وجدت نصيحة أبلغ تأثيرا وأكثر قوة وأدق تعبيرا، - أوجهها للمسؤولين بهده المدينة أو بغيرها من مدن المملكة،على اختلاف مواقعهم ومشاربهم - ؛ من النصيحة التي جاءت في كلمة الرئيس الألماني السابق"كريستيان وولف" "Christien woolf" التي ألقاها أمام القادة الجهويين في ندوة نظمها مجلس الجهة بمدينة مراكش تحت شعار "قوة الجهة" الذي انعقد في 22 يونيو 2016 ،قائلا- وهو يوجه الكلام "لرؤساء الجهة والمنتخبين والمسؤولين المحليين والجهويين" :"اعملوا على ألا تتلقوا أسئلة محرجة من قبل ألأجيال القادمة،أسئلة قد يلقيها أبناؤكم غدا لن تستطيعوا الإجابة عنها".الكلمة البليغة لهذا الزعيم الأوروبي الكبي، كانن لها وزنها الثقافي والديمقراطي والسياسي والاقتصادي.فعلى المسؤولين تحسب أسئلة الأجيال القادمة، الأسئلة التي سيلقيها عليهم المستقبل ؟ أما عقلية" افعل ولا حرج" "لن تجد من يحاسبك عما تفعل"..؟ "وليس لدينا خوف من الأسئلة"، «و"عفا الله عما سلف"، فتلك مقولات وشعارات مفتوحة على المجهول وأفقها محدود مستقبلا. من منا، بيضاويين وغير بيضاويين عاشوا في ستينات وسبعينات القرن الماضي، في هذه المدينة، لا يحملون صورة جميلة لمدينة جميلة اسمها الدار البيضاء،متأكدين أن نقول أنها لم تعد كذلك، أي ليست هي المدينة التي كانت، طبعا لن يكون الجواب هو تطور على مستويات عدة ولكن الجواب في كونها مدينة خارج السيطرة على كل المستويات،خارجة عن السيطرة بعمرانها المتسيب وعشوائياتها المزمنة وفسادها وطبقيتها المخجلة التي تضع نموذجا فريدا من نوعه لنمو اللبرالية المتوحشة.فعلى الرغم من التطور الحاصل في تكنولوجيا التعمير والمواصلات والأضواء والمحلات التجارية الراقية والمقاهي الليلية والتراموي وموروكومول وتهافت الحضارة الصورية والوجه المزيف للتطور الذي تحمله مدينتنا الآن،فإنها ليست مدينة الماضي الجميل ولا مدينة المستقبل المأمول. لقد كانت بيضاء الماضي،مدينة جميلة حقا وناصعة وقريبة من صنع المعجزة الحضارية باقتصادها وثقافتها ونبوغ أجيالها،قبل أن تخضع لسباق المسافات الطويلة نحو الثروة منذ نهاية القرن السبعيني وبروز طبقة من سماسرة العقار والخدمات والفساد المالي. غزو العولمة جعلها تعيش التحول العشوائي الكبير والارتفاع المخيف في مؤشر الجهل والانحراف وسيادة مظاهر العنف والعدوانية والجريمة والاغتصاب.وقد زاد الوضع تأزما فوضى التفاوت الاجتماعي الصارخ الذي ولد العدوانية والانتقام،فقدت معه المدينة الكثير من القيم والمواصفات الإنسانية التي كانت تعرفها في عصرها الذهبي، وأصبح العيش فيها بالنسبة لشريحة واسعة من المجتمع جحيما لا يطاق.؟ رب سائل يسأل، كيف تعايشت النخبة البيضاوية المثقفة واللامعة على المستوى الوطني ،مع إكراهات التخلف وبشاعة الأسمنت المسلح الذي شوه معالم حضارتها ودون أن تطرح،أسئلة الثقافة والتعمير والإسكان والتعليم والشغل والرعاية الصحية والعجز الحاصل في تطهير المدينة من الأحياء الصفيحية والقاذورات والأزبال والأوساخ ومظاهر السلوك السيئ والعنف التي تصدم العين في كل مكان، ومطالبة المسؤولين الذين تعاقبوا على تدبير مجالها المديني عدة سنوات بتقديم الحساب ؟ الجواب هو أن مدينة الدار البيضاء توجد الآن في وضع مقلوب، انتقل من الإسمنت والحجارة تدريجيا إلى العقل والروح، غمر العلاقة بين المجتمع والأفراد وبين الأفراد والمؤسسات، حيث تراجع الفكر والإبداع وأفسح المجال للتخلف والبداوة. لقد تراجعت الثقافة وفقدت القراءة مكانتها الشاغرة في قلوب الناس،والنتيجة انهيار مخيف في الأخلاق وتقطع مريب في خيط الحوار،فصار التواصل بين الناس شبه مستحيل وعمت الألفاظ البذيئة قاموس العلاقات اليومية وارتفع معدل الجهل والأمية بين ساكنة حصتها من القراءة اليومية للصحف صفر والكتب صفر مكعب والمشاركة الثقافية والعلمية؛ظاهرة المواسم والمناسبات،وناذرا ما تسمع قراءة شعرية أو توقيع كتاب أو تسليم جائزة إبداعية في منتدى ثقافي لا يحضره احد. الدار البيضاء في حاجة إلى مثقف مسؤول ومنتخب مسؤول ورجل سلطة مسؤول وإداري مسؤول وأمني مسؤول وقاض مسؤول ومستثمر مسؤول ورجل أعمال مسؤول ومواطن مسؤول،وألا يبقى هذا الأخير خارج معادلة التنمية لأن مشاركته في التدبير تحدد مستقبل هذه المدينة ومستقبل أجيالها القادمة. الدار البيضاء بحاجة لنا جميعا كي تنهض بذاتها وتبني مستقبل الاقتصاد المحلي أولا والقاري ثانيا وتفتح أفق الاستثمار الأجنبي ببعده الوطني والإفريقي.