ما كتبته السيدة مليكة مزان في لحظة طائشة في تدوينتها التي كتبتها تهدد فيها بقتل العرب هو طيش مدان بكل المقاييس. وهو موقف شاذ وطائش يدخل ضمن المواقف الطائشة السابقة التي عبرت عنها مليكة مزان في لحظات انفعالية شاذة غاب فيها العقل.
فلا يمكن لأي عاقل إلا أن يدين هذا الطيش جملة وتفصيلا لأنه شاذ وغريب عن ثقافتنا وحضارتنا المغربيتين، وعن أدبياتنا في الحركة الثقافية الأمازيغية التي تعتبر كل المغاربة أمازيغ إلا من أبى أن ينتمي الى هذه الأرض العزيزة..
تستدعي هذه الإدانة استحضار الكثير من المواقف العنصرية والمتطرفة التي تعرضت لها الأمازيغية وما زالت تتعرض لها، ولقيت تأييدا من الكتاب والمثقفين، ولا أحد حاسبهم ولا ندد بها. وسنقتصر على أبرز هؤلاء المثقفين والكتاب الذين عبروا كتابة عن مواقف متطرفة هي نفس ما عبرت عنه مليكة مزان مع اختلاف في المرجعية والأسس الإيديولوجية.
فإذا كانت مليكة مزان كتبت ما كتبته مما يدخل في إطار التطرف والتحريض عليه في لحظة طائشة تغلبت فيها عاطفتها، وفي لحظة غضب انطمس فيها العقل وليس لها فيه أي سند أو موقف فكري وايديولوجي، فإن غيرها من المثقفين الذين تبنوا نفس الطرح المتطرف في لحظة من لحظات غليان إيديولوجي كتبوا ودونوا الأمر في كتبهم ومن موقف فكري وإيديولوجي معروف، وهذا هو عمق الاختلاف بين الموقفين.
فالمفكر المغربي محمد عابد الجابري مثلا، الذي نقدر كتابته الفكرية ونختلف معه في كتاباته الإيديولوجية، انزلق في إحدى كتبه وراء إيديولوجته القومية المتطرفة، حين دعا إلى إبادة لغة الأمازيغ، أي لهجاتهم كما سماها.. وإبادة اللغة يعني إبادة أهلها رمزيا، ولا أحد استنكر الأمر عند أغلب الكتاب والمثقفين، بل لقي الأمر ترحيبا واسعا آنذاك للعمل على تطبيق ايديولوجية الكاتب القومية والسياسية في التعليم وفي باقي المستويات الأخرى. لنعد الى كتابه "أضواء على مشكل التعليم بالمغرب"، كتب ما يلي: ".. إن عملية التعريب الشاملة يجب أن تستهدف ليس فقط اللغة الفرنسية..، بل أيضا إماتة اللهجات المحلية البربرية.. وتحريم استعمال أية لغة وأية لهجة في المدرسة والإذاعة والتلفزة غير اللغة العربية الفصحى".
إبادة اللهجات البربرية (أي اللغة الأمازيغية)، حسب الجابري ومن يتبنى إيديولوجيته القومية، يعني إبادة الأمازيغ ثقافيا ولغويا، فالإبادة لا تعني فقط الإبادة الجسدية لأن إبادة ثقافة ولغة شعب هو بمثابة إبادة هذا الشعب.
مثال آخر هو الزعيم الإسلامي عبد السلام ياسين في حواره مع المفكر محمد شفيق كتب في كتابه "حوار مع صديق أمازيغي"، كتب ما يلي: "الأمازيغية ضرة للغة العربية.. واللغة العربية الحسناء من عصاها عصى الله، ومن شاقها شاق الله، ومن كفر بها كفر بالله.. ضرة وضرائر أقحمت في بيت دين المسلمين العجم. ونكصت الشياطين اللغوية على أعقابها من حضرة اللغة السيدة لغة القرءان"..
فما الفرق إذن بين من دعا في لحظة طائشة إلى "قتل العرب" وإلى من دعا إلى إبادة الأمازيغ عبر إبادة لغتهم من منظور قومي أو ديني؟
الفرق واسع بين الموقفين: موقف انبثق من انفلات قلم كاتبة من عقاله في لحظة طائشة غاب فيها العقل وحل محله الانفعال الطائش، وليس له أي سند فكري ولا إيديولوجي ولا سياسي، وليس له تطبيق أو تجريب على المستوى الواقعي في أي بلد في العالم (وهنا لا ندافع عن مليكة مزان، بل ندين ما خطته يدها)، وموقف فكري إيديولوجي وسياسي تبنته التيارات القومية والإسلامية ونرى تطبيقاته على الساحة العالمية من خلال ما ارتكبه دعاته ومتبنوه من مجازر في العراق وسوريا والسودان وليبيا وأفغانستان....
ملحوظة:السلفي أبو النعيم صال وجال في التطرف، فكفر وأباح دماء بعض الزعماء والمفكرين المغاربة في فيديوهاته المنشورة والمتداولة علانية، ولم تتحرك السلطة لمحاكمته، وتركته حرا طليقا ينفث تطرفه وتحريضه لأن وراءه قوة ما تحميه.