منهجيا ، من الصعب مقاربة الموضوع باعتباره عنصرا واحدا أو مفهوما قابلا للدرس أو التحليل السياسي و القانوني والحقوقي ، فالاستفتاء هنا يأتي في سياقات مختلفة تحكم الأجرأة و الدوافع والمخرجات . لكن – رغم ذلك- وحدته تتم في إطار شمولية التصور للانفصال عن الدولة المركزية ، ومرتكزات أو مبررات استنبات دول جديدة – مستقلة - على خلفية مقومات إثنية أو عرقية أو هوياتية ، وليس على مقومات مدنية أو وطنية أو قومية . فالعراق ليست هي اسبانيا ، والأحداث ليست هي الأحداث ، لكن دوافع الانفصال هي نفسها ، أي فك الارتباط عن الدولة المركزية باعتماد الاستفتاء من طرف واحد ، أي من طرف الراغبين في الانفصال ، بغض النظر عن مكونات الدولة ككل باعتبارها وحدة مركبة . ففي العراق ، وبعد ما عاشته الدولة من تفكك بعد سقوط نظام البعث وصدام حسين واقتحام أمريكا للبلد وإدخاله في متاهة الحرب الأهلية ، وبعد موجة ما سمي ب" داعش" ، كان منتظرا أن تتعدد نزعات الانفصال ، خصوصا وسط إثنيات وقوميات لم تكن مستفيدة ، أو كانت مقصية ومضطهدة طول مدة حكم الدولة المركزية ، والأكراد نموذجا . والحال أن أكراد العراق لم يبق لديهم الكثير مما يخسرونه بعد مشاركتهم في الحرب ضد داعش ، إذ صار مبررا لديهم مقايضة الدفاع على أرض العراق عسكريا باستقلالهم عنه في ما يشبه الطفرة التاريخية السانحة والتي قد لا تتكرر أمام ما يتم من تحولات جيوسياسية في المنطقة . أما بالنسبة لإقليم كاطالنيا فالموقف مختلف تماما ، فمطلب انفصالها كان قائما على الأقل منذ بداية القرن العشرين وحتى قبل دكتاتورية فرانكو وبعدها خلال تولي حكم الملكية البرلمانية بعد 1975 . فمطلب الانفصال ضل قائما ، تحركه الهوية والقوة الاقتصادية التي يجسدها الإقليم . مع الإشارة إلى كون نزعة الانفصال عن إسبانيا أو عن دول المركزية بالمحيط كفرنسا ليست معزولة في كاطالانيا بل في أكثر من إقليم ، كالباسك و كورسيكا وغيرها . فإذا كان الاختلاف الذي تم جرد بعض مكوناته هنا ضروريا لمنهجية الطرح، فلا بد من محاولة بسط ما يوحد في موضوع الانفصال أو طريقته أي الاستفتاء من أجل شرعنة الانفصال . فموضوع الانفصال لم يعد ممكنا بطريقة القوة العسكرية نظرا للتحولات التي طبعت ما بعد الحرب العالمية الثانية على الأقل ، و معاهدة "سايكس بيكو" بالنسبة للشرق الأوسط . ولا يمكن أن نتصور أن تعلن كوردستان دولتها بالقوة وإلا ستصير مصير داعش . ولا كاطالانيا ... ونماذج فرض الانفصال بقوة السلاح بأوروبا حسمت بحسم موضوع " إيتا الباسكية "وحركات إيرلاندا وغيرها من المنظمات ... ولم يبق غير الاستفتاء كمنهجية ديمقراطية لحسم أمر الانفصال . لكن هذه المنهجية ، رغم شكلها الحضاري والمدني والسلمي والحقوقي ، فهي نفسها صارت في مأزق ، وهو مأزق مستعرض بين إسبانيا والعراق ودول الجوار و المنتظم الدولي . فدستورية الاستفتاء من طرف واحد ، أي من طرف الجهة الراغبة في الانفصال غير متوفرة لحسن حظ الدول المركزية – دستور العراق 2005 و دستور المملكة الإسبانية حسب محكمتها الدستوري - . وبالنسبة للمحيط الإقليمي الخاص بنفس الدول ، فالأمر يشكل خطورة ، إذ قد يصير مدا وامتدادا لمطلب الانفصال ، فتركيا وسوريا وإيران بحكم تواجد الأكراد بها لن تسمح بتشكيل دولة مستقلة جديدة بالمحيط ترتبط في هويتها مع مكون يطالب بالمزيد من الحقوق بنفس الدول . وبالنسبة لإسبانيا ، فالأمر سيشكل تحديا لباقي أقاليمها كإقليم" الباسك "، وعلى فرنسا وحتى بريطانيا . وهنا يتم الحسم الإقليمي والدولي استراتيجيا في قضية ومطلب الانفصال بالنسبة لمحاولات الأكراد و الكاطالان . وفي سياق الانفصال ، لا بد من الوقوف استئناسا عند بعض النماذج السيئة في الموضوع ، وهو انفصال جنوب السودان الذي أنتج دولة فاشلة رغم المطلب الذي سانده و يسانده الكثيرون.. . كما أن موضوع الانفصال عبر الاستفتاء الأحادي يعني أيضا محاولات أخرى قد تجد مبررا آنيا للنسج على منواله لتفعيل المطلب ، كجبهة "البوليساريو " التي تحتضنها الجزائر على أراضيها مطالبة بانفصالها عن المغرب . والغريب هنا – في موضوع الانفصال والاستفتاء حوله - أن دول الجوار وحتى المنتظم الدولي في قضية أكراد العراق و إقليم كاطالانيا في اسبانيا ترفض الانفصال و تنظيم الاستفتاء من طرف واحد، في حين أن الجزائر وبعض الدول الإقليمية بإفريقيا تدفع إلى انفصال الصحراويين المغاربة عن الدولة المركزية .