يقولون إن المدينة ستتحول إلى متروبول اقتصادي كبير وأن الثروة التي ستجنيها حركة الاقتصاد القاري والمحلي من نشاط الرواج والاستثمار وتنقل رؤوس المال بين بلدان الشراكة الاقتصادية،سيفيء على كل الأطراف ريعا للثروة يرفع من احتياطي مالية المدينة ويسهم في تأهيل البنية التحتية التي تشكو من عدة أعطاب ويحرك آلية الصناعة والتجارة والرواج وينعش سوق الشغل ويقرب حد الإمكان الهوة الطبقية الكبيرة التي تفصل بين الفئات الاجتماعية المتعايشة فيها وغير المتساكنة اجتماعيا واقتصاديا. يقولون إن المغرب سيضطلع بدور الوسيط الاستثماري بين الشمال والجنوب وأن مدينة الدار البيضاء هي ملتقى رؤوس الأموال الأجنبية وممر السلع وآلية العقول والسواعد التي تحرك اقتصاد البلدان الإفريقية المساهمة في شراكة اقتصادية قارية مع المغرب.؟ يحق لنا أن نندهش حين نسمع هذا الكلام، ونحن نعول على قروض الخارج ودخول الجبايات ورسوم رؤوس الأموال المتحركة التي جاءت بها الخصخصة، وكل ذلك لا يعزز قدرة الاستثمار ولا يحرك ميكانيزم الاقتصاد المحلي، ولكن نستعمل عائداته استعمالا يجعل دولب الإدارة يدور وحركة السوق تستمر. لم يعد بالإمكان أن نعول على دعم الاتحاد الأوروبي لأننا نعلم جيدا أن شركاءنا التقليديون على وشك الإفلاس الاقتصادي وأن هذا الاتحاد نفسه في طريقه إلى التفكك وأن فرنسا واسبانيا تتباحثان فقط على ريع الاقتصاد الدولي وخصوصا صفقات بيع الأسلحة المتطورة للمغرب والجزائر بأثمنة خيالية لتعزز قوتها المالية السنوية أو الطمع في مواصلة الصيد في المياه الإقليمية المغربية بالنسبة لإسبانيا. الضربات الانفصالية التي تلقاها الاتحاد الأوروبي من قبل انجلترا لن تقف مستقبلا عند هذا الحد، هناك دول أخرى في الطريق إلى الانسحاب من الاتحاد. تهديدات الحليف القطبي الكبير على لسان رئيسه الجديد السيد رولندRoland Trump ترامب ليست كلاما فارغا،إن المرحلة القادمة تفرض تجاوزا كبيرا لخطوط التحالف والبحث عن المصلحة الذاتية في خط براغماتي لا يخجل منه أحد. الاتجاه نحو الصين وروسيا ممر آمن لتفعيل الاقتصاد الإقليمي وإنعاش الاقتصاد المحلي الذي تعتبر الدارالبيضاء قطبه القاري.لكن هناك مسافة للشراكة الاقتصادية يجب قطعها في الاتجاه الآخر،لتدراك الوقت الذي ضاع ونحن نبني علاقات التساكن الاقتصادي مع أوروبا دون طموحات تذكر. لكن يحق لنا أن نفتخر إذا أصبحنا يوما وقد تحولت مدينتنا إلى مجمع اقتصادي ومالي دولي يزخر بالكنوز، وصارت فجأة مدينتنا، تلبي المعايير الدولية لقطب استثماري دولي بنشاط اقتصادي مرتفع الأداء وإنتاجية وخدمات في المستوى. فقد نعثر على جواب لدهشتنا المرة هذه؟ وقبل ذلك لا بد أن نلقي بعض الأسئلة، ونضع شروط الانتقال على المحك ونقيم أداءها وقدرتها على التحول السريع من وضعها الحالي إلى وضع أفضل.فالقاعدة تقول أن إمكانات جيدة وتدبير سيء ، نتيجته حتما سيئة،والعكس صحيح،لأنه يمكن للتدبير الجيد أن يترك نتائج جيدة ولو بأقل الإمكانيات. فعلى مستوى التدبير المحلي للمدينة،فإن خدمة المجلس البلدي للمدينة ومحيطها الحضري أقل من المستوى المطلوب،آخر بيضاوي يقول لك أن التدبير والتسيير لا يلبي طموح المدينة وساكنتها،وعلاقة بهذه النقطة بالذات،فإن مدينة الدار البيضاء سوف تسجل في السنين القليلة القادمة تراجعا متواصلا على عدة مستويات،ويمكن أن توغل المدينة مستقبلا في المتناقضات الصارخة والظواهر الغريبة،على الرغم من بعض الإنجازات الممكن تحقيقها على مستوي البنية التحتية والتأهيل التي تجري على قدم وساق.إن العالم برمته يعيش إيقاع القهقرى السريع نحو الوراء،وأن مدينة تتوسع معماريا بشكل مذهل وتنتعش بدون بنية صناعية كبرى وبدون مشاريع إستراتيجية عظيمة؛ سيجعل منها قرية حديثة بكل مقاييس الترييف التي تحدث عنها السوسيولوجيون في المجال الحضاري للمدن،ليس بمفهوم إعادة إنتاج القرية ولكن بمفهوم يدمر روح الحضارة ويسحقها.اسألوا مدن الأسمنت التي تلتهم المساحات الزراعية الخصبة في محيط المدينة الزراعي وتتطاول في غياب غطاء أخضر ومرافق حضارية تصلح لعيش البشر في عصر تعقدت فيه شروط العيش,واسألوا المدن السكنية التي تنشأ في محيطها المكوكي دون مخطط مستقبلي معماري وبيئي وبشري يتنافى مع قيم الإنسانية والحضارة والعيش الكريم.