العلاقة مع موريتانيا تجاوزت منطق الازمات العابرة التي قد تقع بين الفينة والأخرى بين الدول لتدخل مرحلة جديدة عنوانها القطيعة والعداء، بعدما اختار رئيسها ولد عبد العزيز الاصطفاف إلى جانب الجزائر والبوليساريو، بحيث تمادى وضرب بعرض الحائط كل الروابط التاريخية والعلاقات الثنائية التي كانت تجمع البلدين منذ عقود من الزمن.
مؤشرات عديدة توكد أن الرئيس الموريتاني اختار طواعية أو طمعا أو خوفا التماهي مع السياسات العدائية التي تنهجها الجزائر ضد المغرب، بداية، بالتصويت ضد عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي، ومرورا، بالمواقف الملتبسة لهذا الرئيس إبان أزمة الكركرات، ووصولا إلى رفض اعتماد السفير شبار الذي عينه الملك. ولم يقف مسلسل الاستفزاز والتحدي إلى هذا المستوى غير المسبوق، بل وصل الامر إلى درجة اتخاد قرارات وخطوات ميدانية عدائية تهدد المصالح الحيوية والإستراتيجية للمغرب، وذلك من خلال توقيع اتفاقيات تهم انشاء معبر حدودي يربط تندوف بالزويرات، ماذا يعني هذا المخطط الجديد؟ وما الغاية من هذه الخطوة في هذا التوقيت بالضبط؟ إن اختيار ولد عبد العزيز لهذا المسلك العدائي، يحمل في طياته مجموعة من الخلفيات، ويمكن اجمالها في ثلاث :
الاولى، أن الرئيس الموريتاني الحالي وهو يعتمد هذه الخطوات الاستفزازية ضد المغرب، فهو بذلك يعلن بشكل صريح عن اصطفافه إلى جانب الجزائر وانخراطه في السياسات العدائية تجاه المغرب.
الثانية، يحاول ولد عبد العزيز أن يجر موريتانيا إلى مواجهة دبلوماسية واعلامية مع المغرب، لامتصاص الازمة الداخلية ولتوجيه الانظار عن الاحتقان الموجود، كما يسعى من خلال هذه التحركات إلى استقطاب والاستعانة بالمكونات القبلية الموريتانية التي لها امتداد قبلي في المخيمات لتجاوز الازمة السياسية الموجودة.
الثالثة، موافقة وانخراط الرئيس الموريتاني في مشروع انشاء معبر تندوف / الزويرات، يعني أن الجزائر والبوليساريو بعد فشلهما في أزمة الكركرات، يحاولنا أن يفتحا جبهة جديدة في الصراع مع المغرب، لكن هذه المرة بأشكال وطرق مدروسة، لأن تنزيل هذا المعبر على أرض الواقع قد يؤدي إلى عزل المغرب عن عمقه الافريقي، لان مختلف المبادلات التجارية مع دول جنوب غرب افريقية تتم عبر الكركرات، كما أن هذا المعبر الجديد تندوف/الزويرات المتواجد على مساحة كبيرة محادية للشريط الفاصل للحزام الامني قد يشكل " الارض المفقودة" التي تبحث عنها البوليساريو، من أجل إعادة توطين ساكنة تندوف. وبهذا تحاول الجزائر أن تحقق مكسبين استراتيجيين في نفس الوقت، الاول، ترحيل صحراويي المخيمات والتخلص من تكلفة احتضانهم خاصة في ظل الازمة، ثانيا، ايجاد أرض لتقوية وشرعنة خلق " دويلة" في المنطقة، وتدارك الثغرة المرتبطة بعدم وجود أرض التي تعتبر أهم مقومات الدولة بالمفهوم المتعارف عليه، وفرض سياسة الامر الواقع على المغرب. وبالتالي كل هذه التحركات من شأنها أن تؤدي إلى تغيير الوقائع المرتبطة بجغرافية النزاع بالمنطقة.
لذلك، فالمغرب وفق المؤشرات السابقة فقد دخل مرحلة جديدة في المواجهة مع خصومه في مسار النزاع، مرحلة تتجاوز التراشق الاعلامي والتشابك الدبلوماسي، فهي مفتوحة على جميع الاحتمالات والسيناريوهات بما فيها المواجهة المباشرة، لأن الجزائر رفقة البوليساريو يلعبان اخر أورقهما في ظل جمود الملف ومع ظهور بوادر تؤشر على قرب انفجار الاوضاع بتندوف، بالاضافة إلى الازمة الداخلية التي تعيشها الجزائر، ناهيك عن التحولات الجيواستراتيجية التي تعرفها المنطقة.