امتدت الرحلة الاستشفائية لغالي بن بطوش في المستشفيات الاسبانية لأربعة و خمسين يوما رأت فيها الحكومة الاسبانية النجوم في عز النهار خصوصا لما سقط القناع عن الوجه و سقطت كل أوراق التوت عن عورة هذه الحكومة و صنيعتها من الحكام في قصر المرادية الذي أصبح بدوره خلفية بئيسة لمطبعة تزور الأوراق الثبوتية لدميتها إبراهيم غالي ليسافر المسكين خارج الجزائر للعلاج متنكرا خلف اسم وهمي ينجو به من تبعات جرائمه و يضلل به القضاء الاسباني .
انكشفت اللعبة و انفضح أمر المسرحية المتآمرة التي استنفذت فيها المخابرات الجزائرية كل طاقاتها لتخرجها بشكل بئيس لم تنطل حيلته على عيوننا الأمنية التي لا تنام خصوصا حين يتعلق الأمر بأمن الوطن ، و لم يمر الحادث مرور الكرام لأن الدبلوماسية المغربية قرأته بعمق و تمعن لتفضح خيوط اللعبة و تصعد في الردود بمستوى عال من الندية و التحرر من عقدة المستعمر(بفتح الميم) لأن الأمر يتعلق بوحدة المغرب و هي وحدة لا تقبل المساومات و التنازلات ، علما بأن اسبانيا تمادت في الإضرار بمصالح المغرب في موضوع وحدته الترابية. هكذا أصبحت العلاقات المغربية الاسبانية على محك الاختبار ليتضح أن هذه العلاقات أصبحت نوعا من الصداقة الحذرة الموسومة بالتوجس و توقع الشر من الجار الشمالي ، خصوصا حين سمح القضاء الاسباني لإبراهيم غالي رئيس عصابة البوليساريو بمغادرة البلد بعد محاكمة الويفي التي أنكر فيها الظنين كل المنسوب إليه ، و لم يتم الاكتراث بدفاع الضحايا و منهم مواطنون إسبان و كأن المواطنة الاسبانية درجات لا تؤمن بالمساواة و استقلالية القضاء ، فماذا ستقول لمواطنيها الذين تعرضوا للتعذيب و الاختطاف و الاغتصاب و قمع حرية التعبير و رفعوا أمرهم إلى القضاء الاسباني ليصدموا بعد استنطاق الفيديو بغريمهم يغادر الحدود الاسبانية على متن طائرة فرنسية مأجورة دون أن يقتص من مجرم الحرب الذي أفلت من العقاب دون ضمانات مثوله مجددا في قفص الاتهام ؟
و إذا كانت محاكمة بن بطوش لا تعني للمغرب حدثا ذا قيمة بقدر ما فضحت هشاشة مؤسسة العدالة الاسبانية التي كيفت متابعة مجرم حرب حسب إملاءات المصالح و التواطؤات مع جنرالات الجزائر الذين يسبحون صباح مساء بعقيدة العداء المفضوح لمصالح جيرانهم المغاربة ، فيبقى أن المغرب هو الرابح الأكبر من فضح الوجه البشع لدولة استعمارية لها هي الأخرى ماض قبيح مع جرائم الحرب في الريف ، و رابح من جهة أخرى لأنه سيتابع تصميمه على تحقيق المزيد من المكاسب و تسريع عجلة التنمية في أقاليمه الجنوبية على خلفية الاستثمارات الهائلة التي تدخل يوما بعد يوم إلى هذه الأقاليم رغم كيد الكائدين و حقد الحاقدين .
لقد دخل بن بطوش إلى اسبانيا لدواع استشفائية كما دخل تبون ألمانيا لنفس السبب و كأن الجزائر فقيرة إلى البنيات الاستشفائية ، لذلك يسارع الجالسون على هرم المرادية كما تسارع دماهم إلى الخارج قصد العلاج ليبقى الشعب المسكين في الطوابير الخلفية ينتظر جرعات اللقاح التي تتقاطر بشح بئيس و ليظل الوباء ينخر في أجساد سكان مخيمات العار بينما يتم تسريب غالي ليعالج خارج الجزائر لتكريس منطق التسول و الاتجار بمآسي الصحراويين و العبث في المساعدات الإنسانية التي ترد على المخيمات .
إن أهم انتصار للدبلوماسية المغربية هو أنها كشفت للرأي الدولي إصرار كل من الجزائر و اسبانيا على معاكسة المغرب في قضية الصحراء المغربية و دعمهما اللامشروط للكيان الانفصالي في الوقت الذي تمتد فيه أيدي الحكومة الاسبانية لقمع الحركة الانفصالية الكاتالانية كما تمتد أيدي جنرالات العسكر الجزائري لقمع حق القبايل في الاستقلال . إنه منطق حرام عليهم حلال علينا في وقت لم تعد فيه هذه المناورات البئيسة تنطلي على أحد .