خالد شيات: هذا ما يؤكده استقبال غالي بتلك الطريقة المهينة من طرف اسبانيا

خالد شيات: هذا ما يؤكده استقبال غالي بتلك الطريقة المهينة من طرف اسبانيا خالد شيات، و ابراهيم غالي(يسارا)

في إطار الفضيحة السياسية التي شهدتها إسبانيا، وأسالت الكثير من المداد وردود الأفعال، وذلك إثر استقبالها لـ "الجلاد" إبراهيم غالي، زعيم ميليشيات البوليساريو، بدعوى الاستشفاء تحت هوية مزورة وجواز مزور؛ ارتأت "أنفاس بريس" أن تفتح بابها لاستقاء وجهات نظر بعض ضحايا انتهاكات جبهة البوليساريو، وكذا بعض النشطاء الحقوقيين والجمعويين بخصوص هذا الموضوع.

فيما يلي وجهة نظر خالد شيات، أستاذ القانون الدولي بجامعة وجدة، عبر هذا الحوار:

 

- كيف تقرأ استقبال إسبانيا لزعيم البوليساريو الذي يكشف حسب المراقبين نفاق إسبانيا في علاقتها بالمغرب؟

- يبدو أن هناك أشياء تحتاج إلى توضيح وتفسير، وإلى إعطاء وجهة، لأن الأمر يتعلق بدولة تتبجح باحترام حقوق الإنسان. ويمكن أن يكون هذا المعطى هو الذي دفعها إلى استقبال زعيم البوليساريو، كما جاء في بلاغها «النزعة الإنسانية في استقبال زعيم الإنفصاليين».

وإذا كان غالي يعتبر نفسه زعيما للجمهورية الوهمية كما يدعي وكما تدعي الجزائر. فمن الأجدر ألا يتم استقباله بهذه الطريقة المهينة، لماذا دخل إسبانيا باسم مستعار، وبطريقة اللصوص؟ فهذا دليل آخر أن إنشاء هذا الكيان الوهمي محرج لكل الدول ولكل الأطراف، فلا أصل له ولا فرع له، ولا مستقبل له.

والمسألة الثانية، وهي أنه مادام المغرب كانت له سابقة أخرى في التعامل مع الانفصاليين مع دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي وهي ألمانيا، فأعتقد بأنه في إطار الاحترام بين الدول وهناك آليات كثيرة في التواصل، سواء على المستوى الدبلوماسي أو الرسمي، وبطرق كثيرة جدا، يمكن أن نقول إنه كان من الممكن لإسبانيا قبل استقبال زعيم الانفصاليين بأن تخبر المغرب بهذا الأمر، ويمكن أن يكون ذلك عاملا مخففا لآثار هذا التصرف الأحادي الذي يمس الوحدة الترابية للمغرب، وعلى اسبانيا أن تتعامل مع انفصاليي الصحراء بنفس منطق الانفصاليين الذين تعاني منهم، كما هو الحال بالنسبة للكاتالان والباسك. ولتتصور إسبانيا استقبال المغرب لزعيم الكاتالان أو الباسك، كي تعلم درجة خطورة مثل هذه التصرفات الأحادية. والمسألة الأخرى المهمة، في ما يتعلق باحترام دولة الحق والقانون في اسبانيا. فالمحاكمات التي طالت رئيس الدولة الإسبانية أو نجله أو صهره أحيانا، يعني كانت هناك جرائم قد تدخل في إطار الجرائم ضد الإنسانية، وكان على القضاء الإسباني على الأقل التحقق من هذه الجرائم. فهل دخول زعيم الانفصاليين هو التفاف على القضاء الإسباني نفسه؟ يعني في إطار احترام القانون والحقوق والأشخاص الذين تضرروا، ومنهم مغاربة موريتانيون، وربما أشخاص آخرون من جنسيات مختلفة، يقولون إنه كانت هناك عمليات تعذيب وقتل واغتصاب، وأشكال حاطة من الكرامة الإنسانية مست حقوق وحريات كثيرة، تدخل في إطار الجرائم ضد الإنسانية، وكان من المفترض أن تتحقق منها الجهات القضائية الإسبانية.

- ماهي رهانات اسبانيا من وراء استقبال زعيم الانفصاليين؟

أعتقد بأن موقف إسبانيا الاستراتيجي العام الشامل لا يمكن أن يخرج عن تقييد المغرب في قضية الصحراء المغربية، في أفق تعطيل أي حل يرتبط بقضية سبتة ومليلية المحتلتين. يعني قد نختلف مع اسبانيا كثيرا، ولكن نجد أن ركوبها على هذه الموجة في صالحها عموما، أحيانا مع وجود بنية سياسية داخلية في الحكومة الإسبانية أحيانا تميل نحو اليمينية المتطرفة أو نحو اليسارية التي تحمل من إرهاصات العداء التاريخي للمغرب، وهو الأمر الذي ينعكس على ممارسات الحكومة الإسبانية الحالية، بما فيها التصرفات التي تمس على المستوى الخارجي بالمغرب.

-كيف يمكن للمغرب التصدي للمناورات الإسبانية في ما يتعلق بالتعاطي مع قضية الوحدة الترابية؟

أعتقد بأن المغرب يتعامل مع الدول بشكل واضح ومباشر وبناء على مصالحه الآنية وعلى رأسها مصلحته المرتبطة بوحدته الترابية التي لا يمكن المس بها. وبالتالي كيفما كان شريكه ومكانته، فإنه سيتعامل معه بنفس الطريقة. بمعنى أنه يحمل كل طرف المسؤوليات الخاصة بهم، وهذا أمر جديد في السياسة الخارجية المغربية، حيث سبق للمغرب أن تعامل بأشكال مختلفة من الندية، حيث أنه يجعل من أولى أولوياته قضية الصحراء، سواء مع ألمانيا أو اسبانيا أو غيرهما من الدول، وهذه هي الطريقة الصحيحة للتعامل في حالات مثل هاته. طبعا، هناك تحت الأكمة قضايا اقتصادية وسياسية وقضايا كثيرة يمكن أن تكون عالقة، وإذا كررت إسبانيا نزعتها الفوقية ونزعتها الهيمنية في التعامل مع المغرب، فإن المغرب سيتعامل بنفس الطريقة، علما أن هناك مصالح مشتركة بين الطرفين. فالأمر لا يتعلق بوجود مصالح للمغرب فقط، إذ أن المغرب الذي ينفتح على إفريقيا يعد مجالا استراتيجيا مهما بالنسبة لإسبانيا.

-ماهي تداعيات هذه النزعة الإسبانية المعادية للوحدة الترابية للمغرب على العلاقات المغربية -الإسبانية؟

يظهر الآن أن المغرب يتعامل بشفافية، في حين أنه يعامل بشكل غريب من طرف دول تربطها به علاقات شراكة متينة وقوية. نزعة إسبانيا نحو عدم تفضيل الشراكة المغربية، ووضع مزيد من البيض في سلة البوليساريو والجزائر سيرجح كفتها نحو هذه الدول، وهذه الدول ليس لها شيء تعطيه لإسبانيا غير الغاز والنفط الذي لم يعد له استراتيجية كبرى في تحديد السياسة الخارجية، والولايات المتحدة الأمريكية تعبر عن ذلك. وأعتقد بأن المغرب يجب أن يكون أكثر قوة في مختلف القضايا العالقة مع إسبانيا، سواء كانت ذات طبيعة سياسية، كما هو الحال بالنسبة لقضية الوحدة الترابية أو قضايا أخرى مرتبطة بالحدود البحرية بين البلدين أو غيرها من القضايا الأخرى التي يمكن أن تكون في إطار التوتر، وأن تكون إسبانيا مستعدة كي تضع هذه القضايا في مقدمة علاقتها مع المغرب، وألا تختفي وراء هاته الأعمال الصبيانية المرتبطة بابتزاز المغرب عن طريق قضية وحدته الترابية. وأرى أن المغرب يستطيع أن يحمي وحدته الترابية سواء على المستوى الاستراتيجي العام أو على المستوى الاقتصادي. والنتيجة في عالم متغير تقول إن أرض الله واسعة. إذا كانت إسبانيا لا تريد أن تؤمن بهذا الجوار، وبحتمية الجغرافية بين المغرب وإسبانيا، فإن المغرب لديه إمكانيات للشراكة والتعاون مع قوى كثيرة جدا على المستوى الدولي، يمكنه من خلالها أن يصرف كل العلاقات والامتيازات مع إسبانيا في اتجاهات متعددة، مما سيسمح له بالخروج من محاولات الضغط التي تعرضه له اسبانيا في كل مرة.

ومن وجهة نظري، فإن حتمية الجوار تفرض أن تكون العلاقات شفافة وجيدة بين البلدين على المستويات الاقتصادية والسياسية وغيرها، حيث ستكون مربحة للطرفين على مستوى المسار الأوروبي- الإفريقي.