جائحة "كورونا" لم تمنع مؤسسة "أرشيف المغرب" من مواصلة استراتيجيتها الرصينة الرامية إلى صيانة التراث الأرشيفي الوطني، عبر استهداف الأرشيفات الخاصة ذات المنفعة العامة في إطار "دبلوماسية الأرشيف" التي مكنت المؤسسة منذ تأسيسها سنة 2011م، من وضع اليد على عدد من الأرشيفات الخاصة في إطار المهام المنوطة بها بموجب القانون رقم 69.99 المتعلق بالأرشيف ومرسومه التطبيقي، كان آخرها احتضان أرشيفات السيد " عبدالحي بنيــس"، الموظف البرلماني السابق ( 1977-2012 )، الذي بادر إلى تسليم بعض الوثائق التاريخية التي جمعها ،خلال عدة عقود، للمؤسسة الحاضنة للأرشيف العمومي - على سبيل الهبـة - وذلك بموجب اتفاقية في الموضوع موقعة يوم 18 فبراير 2021.
أرشيف خاص ضم - حسب ما ورد في بلاغ صحفي لأرشيف المغرب - " خمسة أقراص مدمجة تتضمن 79 شريط فيديو تؤرخ لملتمسي الرقابة بالبرلمان المغربي لسنتي 1964 و 1990، وعدة ألبومات تشمل حوالي 3260 صورة فوطوغرافية لأنشطة المؤسسة التشريعية خلال المدة الفاصلة بين 1963 و2012، هذا فضلا عن صور متعلقة بالمجلس الوطني الاستشاري لسنة 1956"، وستتولى المؤسسة في إطار التزاماتها التعاقدية، بجرد ومعالجة الأرشيفات المذكورة والحرص على حفظها وتيسير سبل الاطلاع عليها للباحثين وعموم الجمهور وفق القوانين والإجراءات الجاري بها العمل.
ومن باب ثقافة الاعتراف والشكر والامتنان، لايمكن إلا أن ننوه بالروح الوطنية العالية للسيد "عبدالحي بنيس"، ليس فقط لأنه وضع ثقته في مؤسسة وطنية استراتيجية من حجم "أرشيف المغرب" وائتمنها على ما يتحوز به من أرشيفات ذات منفعة عامة، ولكن أيضا، لأنه استطاع أن يبني لبنة في صرح التراث الأرشيفي الوطني الذي يعد ملكا مشتركا لجميع المغاربة، وأن يصون جزءا لا يتجزأ من "الذاكرة البرلمانية" اعتبارا للمدة الطويلة التي قضاها الرجل في الوظيفة البرلمانية والتي تجاوزت عتبة الثلاثة عقـود، ليمنح بذلك، الفرصة أمام الباحثين وعموم الجمهور للنبش في حفريات التجربة البرلمانية الوطنية في أبعادها التاريخية والإدارية والسياسية والحزبية والتشريعية، وهي مبادرة راقية، قد تفتح شهية "أرشيف المغرب" لاستهداف بعض الشخصيات البرلمانية التي بصمت تاريخ البرلمان المغربي طيلة عقـود، في أفق جمع شتات الذاكرة البرلمانية الوطنية.
ومن باب الاعتراف والثناء أيضا، لايمكن أن نترك الفرصة تمر، دون التنويه بالمجهودات الرصينة التي ما فتئت تقوم بها "أرشيف المغرب" في إطار "دبلوماسية الأرشيف" تحت الإدارة المتبصرة للأستاذ الجامعي والمؤرخ "جامع بيضا"، وبفضل هذه الدبلوماسية "المواطنة" أمكن وضع اليد على أرشيف السيد "عبدالحي بنيس" (ذاكرة البرلمان)، وقبله على عدد من الأرشيفات الخاصة بعدد من رجالات الفكر والسياسة والدبلوماسية والثقافة والفنون، وفي طليعتهم الراحل الأستاذ "عبدالرحمان اليوسفي" الذي ائتمن " أرشيف المغرب" على وثائقه التاريخية - على سبيل الهبـة - قبل أن يرحل عن عالمنا.
وعليه، فبقدر ما نحيي السيد "عبدالحي بنيس" ونثمن ما أقدم عليه، بقدر ما نحيي ونثمن كل من وضع ثقته في " أرشيف المغرب" منذ تأسيسها وائتمنها على ما يذخره من وثائق أرشيفية، من باب الإسهام الفردي والجماعي في صون التراث الأرشيفي الوطني وحماية الذاكرة الجماعية للمغاربة، وفي هذا الصدد، ورغم أن القانون الأرشيفي منح للمؤسسة الأرشيفية "آليات قانونية" لوضع اليد على الأرشيفات الخاصة ذات المنفعة العامة، فإن هذه الآليات لابد أن توازيها مفردات الاستعداد والقبول والجاهزية والأريحية والثقة، من جانب كل من يتملك أرشيفات خاصة من شأنها إثــراء التراث الأرشيفي الوطني، على أمل أن تنجح "دبلوماسية الأرشيف" في اقتحام خلوة العديد من الأرشيفات الخاصة بعدد من رجالات الفكر والسياسة والدبلوماسية والثقافة والفنون، سواء الذين لازالوا على قيد الحياة أو الذين رحلوا إلى دار البقاء (أرشيف الراحل أحرضان نموذجا)تاركين أرصدة أرشيفية لا أحضان دافئة وآمنة لها، إلا "أحضان أرشيف المغرب".. فهنيئا "أرشيف المغرب" .. هنيئاالسيد "عبدالحي بنيس".. هنيئا للذاكرة البرلمانية ...