من الأكيد ان المتتبع للوضع الحالي بين الجارتين المغرب والجزائر سيلاحظ تزايد حدة التوتر بينهما في الآونة الأخيرة، رغم أن واقع الحال لم يكن بعيدا عن جو التوتر الذي ظل في الأساس هو الطابع المهيمن بين الطرفين. وتعزى هذه الحالة المتفاقمة إلى التطورات الأخيرة التي شهدها ملف الصحراء المغربية، خصوصا مع الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والدينامية التي عرفتها من قبل الأقاليم الجنوبية، متمثلة في فتح العديد من الدول لقنصلياتها في الأقاليم الجنوبية. كل هذه العوامل أشعلت فتيل الاستفزازات لدى الجارة الجزائر لتخلق بؤرا جديدة من التوتر والتمادي في الاستفزازات عبر حرب إعلامية تسعى من خلالها إلى التغليط ونشر الأخبار الزائفة. وهي الحرب التي تعامل معها الجانب المغربي بالكثير من الحنكة والتبصر.
ولعل الحكمة التي يتعامل بها المغرب مع هذه الاستفزازات التي ترمي إلى تعميق الأزمة بين البلدين كانت قد سبقتها العديد من المبادرات الهادئة، حيث تعامل المغرب بمنطق اليد الممدودة من أجل السلام وطي صفحات الحقد والضغينة. ولعل هذا ما جدده خطاب العرش لسنة 2019 على لسان العاهل المغربي، الذي أكد التزام المغرب الصادق بنهج اليد الممدودة تجاه الأشقاء في الجزائر، وفاء منه لروابط الأخوة التي تجمع الشعبين الشقيقين، بعد أن كان المغرب قد أطلق بمناسبة الذكرى الـ43 لذكرى المسيرة الخضراء، قبل خطاب العرش هذا مبادرة لإحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور مع الجزائر، يتم الاتفاق بواسطتها على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها. لكن لم تعرف المبادرة المغربية مقترحات إيجابية رسمية من طرف الجزائر.
طبعا حالة العزلة التي أصبحت الجزائر تعيشها بخصوص ملف الصحراء المغربية، خاصة بعد تراجع العديد من الدولة عن الاعتراف بالكيان الوهمي للبوليساريو والاعتراف الأمريكي، كانت قد أربكت حسابات حاكمي الجزائر الداعمين لانفصاليي البوليساريو. وبالتالي فردود الفعل الجزائرية التي حاولت إيقاع الجانب المغربي من خلال التحرشات والاستفزازات كانت شيئا متوقعا من الجارة الجزائر، خاصة بعد فشلها في الضغط باستدراج الجانب الفرنسي في مسالة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
ومن المؤكد أن ازمة البلدين لها انعكاسات سلبية، ليست فقط على المستوى السياسي، بل ايضا على أصعدة أخرى، بالإضافة إلى حدث عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي غير البعيد، الذي يعمق من سياسة الانفتاح على العمق الإفريقي الذي تبناه المغرب، فإن الأزمة بين البلدين من شأنها أن تعمق من شرخ التشتت الذي تعرفه الوحدة المغاربية، خاصة وأن رهانات المغرب لتوحيد القطر المغاربي كانت أولوية سعى إليها عبر العديد من المبادرات الموجهة للشقيقة الجزائر التي ظلت ترحب بالمبادرات المغربية بدون أي تفاعل أو مؤشر جدي على التجاوب الإيجابي للدفع بعجلة بناء الوحدة المغاربية وطي صفحة التوترات بين المغرب والجزائر، خاصة وأن بناء الوحدة المغاربية لن يتم بمعزل عن التوصل لحل للأزمة بين الطرفين.
إن التقدم الذي حققه المغرب على مستوى قضية الصحراء المغربية هو ما يزيد من تضييق خناق العزلة التي أصبحت تعرفها الجزائر. ولعل المقاربة التي اتخذها المغرب تجاه التعامل مع الجزائر التي تنبني على الحكمة التي يباشرها المغرب في التعامل والرد على استفزازات الشقيقة الجزائر راجع بالأساس إلى مراعاة المغرب لأواصر الأخوة والتاريخ المشترك بين البلدين، إلا أن هذه المقاربة لن تثني المغرب عن الرد بحزم عند أي تجاوز قد تقدم عليه الجارة الجزائر.