وهذا ما يفسر أن الدعاية المغرضة التي يمارسها حكام الجزائر ضد المغرب تهدف أساسا إلى ممارسة التضليل على الشعب الجزائري حتى لا ينتبه إلى المشاكل الداخلية لبلده. لذلك نجد هؤلاء الحكام يعملون عبر هذه الدعاية الكاذبة على تحويل انتباه الشعب الجزائري نحو الخارج، وذلك عملا على إخفاء كل هذه الحقائق والأحداث، مخافة ردة فعل الشارع العام الجزائري الذي يئن تحت وطأة التهميش والتفقير والتجهيل والإقصاء...
وإذا كانت تجربة " العشرية السوداء" تؤكد أن الجنرال نزار وأفراد عصابته قد اخترقوا جماعات الإسلام السياسي في الجزائر ومولوها ووظفوها للقيام بأحداث إرهابية مكنتهم من الاستيلاء على السلطة، بدعوى أن لهم قدرة فائقة على مواجهة الإرهاب الذي خلقوا جماعاته وحددوا لها سقفا لعملياتها، ما مكنهم من التحكم فيها، والظهور أمام الرأي العام بمظهر البطل في مواجهتها!!، وما دام حكام الجزائر قد سبق لهم أن نجحوا في استعمال جماعات الإسلام السياسي في بلدهم، ويريدون حاليا بمشاركة إيران وتركيا توظيف نفس الورقة في دول الساحل وشمال أفريقيا...، فمن المحتمل جدا أن يكون ما يحدث من أعمال إرهابية في شمال دول الساحل وتونس وليبيا من تدبير الجزائر وحلفائها. وليس مستبعدا أن تكون الجزائر وراء موقف بعض شيوخ جماعات الإسلام السياسي المعادي لشرعية سيادة المغرب على صحرائه.
كما من المحتمل جدا أن تتحول بعض عصابات "البوليساريو" إلى طائفة شيعية تحظى بمساندة إيران، حيث ستدفع بها للتحول من معاداة المغرب إلى أن تصير طرفا في الصراع داخل الجزائر. ويعود ذلك إلى انسداد الأفق السياسي أمام هذه الميليشيات ومسانديها من جنرالات الجزائر الذين بدأت تلوح في الأفق بوادر رحيلهم. هكذا، فإنني لا أجازف إذا قلت إنه من غير المستبعد أن تشكل عصابة "البوليساريو" والملتحقون بها جماعات تنتمي إلى دول أخرى نواة لـ"حزب الله" جديد في شمال أفريقيا، ستكلفها إيران بالقيام بنشر التشيع والقيام بأعمال إرهابية في هذه المنطقة ودول الساحل. كما لا يستبعد أن يتم توظيف مليشيات "البوليساريو" ضد جنرالات الجزائر، فينقلب السحر على الساحر. لقد خلق جنرالات الجزائر هذه المليشيات لتوظيفها ضد المغرب وضد جيرانهم، وعندما ستغلق كل الأبواب في وجهها، وهذا أمر حتمي، فإنها يمكن أن تنقض على أسيادها. وهذا ما تعلمناه من دروس التاريخ الحديث لأفغانستان وحكايتها مع جماعات طالبان.
وخلاصة القول إنه لا يمكن حل مشكلات التخلف والنهضة بإخفائها والتكتم عليها، لأن ذلك لن يعمل إلا على استفحالها. لذلك، ما دامت هذه المشكلات هي بنت الثقافة السائدة، حيث يتأصل الفساد والعنف في هذه الثقافة التي تسوغهما وتمنحهما شرعية، فلابد من مواجهة هذه الثقافة، لأن الأمم لا تحل أزماتها ومشاكل نهضتها بدون نقد ثقافي لجذور تخلفها وعنفها... وبدون مواجهة الذات لذاتها، لا يمكن أن يكون هناك أي تحول إيجابي، فالنهضة هي أولا انتصار على الذات. والتاريخ يفيدنا أن الأمم التي شقت طريقها نحو النهضة هي تلك التي تمكنت من ممارسة قطيعة مع جذور التخلف والعنف الكامنة في ثقافتها..
وللحيلولة دون استمرار الوضعية الحالية للجزائر التي قد تأخذ منحنى كارثيا، يجب على حكام الجزائر أن يحدثوا قطيعة مع ثقافة "هواري بومدين" السلفية القومجية التوسعية، لأنها هي التي جعلت المجتمع الجزائري أرضا خصبة للعنف بشتى أشكاله، ومنحت شرعية للفساد، وجعلت الجهل قيمة، وخلقت عقلية تسويغ رغبة التوسع. وكل هذه العوامل هي ما يشكل اليوم أزمة الجزائر، حيث قد تفضي بها إلى الجحيم الذي قد يأتي على الحكام وعلى بلدهم الذي نحن في حاجة إلى شعبه الشقيق...
من الصعب أن ينجز حكام الجزائر هذه القطيعة وحدهم، لأن هذا التحول يستوجب انخراط كافة القوى الحية في بلورته وإنجازه بالمجتمع الجزائري، لاسيما المثقفين والجامعيين...