أعلن معهد باستور الفرنسي هذا الأسبوع خروجه من السباق نحو البحث عن لقاح ضد وباء كورنا، بعدما تبين أن نتائج التجارب السريرية مخيبة للآمال.
وأعلن مختبر سانوفي أيضا في ديسمبر الاخيرأن لقاحه تأخر ولن يكون جاهزا قبل نهاية 2021 بسبب نتائج غير مرضية كليا.
هذين الخبرين جعل فرنسا خارج السباق الدولي من اجل اكتشاف اللقاح . فرنسا في الماضي كانت رائدة في مجال اللقاح عالميا، وأحرز باحثوها في مجال اللقاح على اهم الجوائز العالمية مثل نوبل. لكن تجد نفسها اليوم خارج الركب والسباق العالمي من اجل مواجهة وباء كورنا وهو تحدي توقفت فيه مختبرات الولايات المتحدة الامريكية، المانيا ،بريطانيا، السويد، الصين وروسيا بل ان بلدا صغيرا مثل كوبا هو في طور المرحلة الثالثة والأخيرة من انجاز اول لقاح ضد كورنا بأمريكا اللاتينية.
هذا التخلف الخطير في بلاد باستور عن الركب العالمي جعل جل الصحف والمختصين بفرنسا يطرحون تساؤلات كثيرة حول هذا التقهقر المقلق الذي عرفه مجال البحث العلمي والابتكار بفرنسا؟ وما هي اسبابه ؟ هل هي مالية، كغياب التمويل الكافي لمجال البحث، ام يعود لغياب قدرة المغامرة والتجديد في مجال البحث والمقاولة بفرنسا. خاصة ان بلاد باستور لا تنقصها الكفاءات البشرية، حيث ان المدير العام لشركة الامريكية موديرنا التي من الاوائل في اكتشاف لقاح كورنا هو فرنسي، بالاضافة الى عدد من الفرنسيين الذين يحتلون مراكز مهمة في المجموعات العالمية الكبرى التي كانت رائدة في ابتكار لقاح جديد ضد وباء كورنا.
وأعلن معهد باستور أنه أوقف تطوير مشروعه الرئيسي للقاح ضد فيروس كورونا المستجد لأن الاختبارات الأولى أظهرت أنه كان أقل فعالية مما كان متوقعا.وقال مختبر باستور تعقيبا على قراره وضع حد لمشروعه "كانت الاستجابات المناعية أقل من تلك التي لوحظت لدى الأشخاص الذين شفوا من عدوى طبيعية وكذلك من تلك التي لوحظت مع اللقاحات المصرح بها" ضد فيروس كورونا.واستخدم باستور لقاح الحصبة كقاعدة لتطوير لقاحه ضد فيروس كورونا.
ومن أجل تطويره وتوزيعه، تعاون معهد الأبحاث الفرنسي مع شركة الأدوية "إم إس دي" (اسم المجموعة الأميركية ميرك خارج الولايات المتحدة وكندا) وكانت "إم إس دي" اشترت خلال العام الماضي شركة التكنولوجيا الحيوية النمسوية "ثيميس" التي يتعامل معها باستور منذ سنوات لتطوير لقاح مختلف، من بينها لقاح ضد فيروس كورونا.
وبدأت تجارب المرحلة الأولى (المرحلة الأولى من التجارب البشرية) في غشت الماضي.وأوضح باستور أنه يواصل العمل في مشاريع لقاح أخر ضد الفيروس لكنه ما زال في مرحلة أولية.
من جهته، اعلن مختبر سانوفي الفرنسي في ديسمبر الماضي ان لقاحه تأخر ولن يكون جاهزا قبل نهاية 2021 بسبب نتائج غير مرضية كليا. وهو فشل ثاني لفرنسا ولثاني مجموعة صناعية في العالم في مجال اللقاح. والتي لها تجارب عريقة في هذا المجال وحضور في مختلف بلدان العالم بما فيها المغرب. وقررت بدل ذلك صناعة لقاح فايزر بأحد مصانعها بألمانيا، أي وضع قدراتها الصناعية في خدمة الاخرين.
طبعا التفسيرات التي اعطيت لهذا التأخر، كانت حول الاختيارات، ففي الوقت الذي اختارت المجموعات العالمية في هذا المجال التجديد والابتكار والتعاون مع مقاولات ناشئة، اختار الفرنسيون خاصة باستور وسانوفي الاعتماد على التكنولوجيات القديمة التي سبق لهمها توظيفها لإيجاد لقاحات قديمة، وهو رهان بين فشله، في حين نجحت المختبرات التي راهنت على التجديد والمغامرة. بالاضافة الى تحفظ الفرنسيين حول امكانية التعاون بين الباحثيين الجامعيين والمقاولات الربحية.
بلد صغير ودو امكانيات محدودة وهو كوبا، سيكون من بين بلدان العالم التي تدخل النادي الصغير للبلدان الكبرى ف العالم التي ربحت الرهان وطورت لقاحا ضد وباء كورنا. وهي اول مرشح في أميركا اللاتينية والكاريبي لديه لقاح في مرحلة التجارب"، وهذا البلد الصغير بسبب الحصار الامريكي مند سنة 1962 و اكثر من ثلاثين عاما من الخبرة في إنتاج لقاحاته الخاصة وإيجاد حلول لمشاكله الصحية. وتمكن من اكتشافات لقاحات مهمة مثل لقاح التهاب السحايا رغم الحصار الامريكي.
وكوبا لها وعي بالبعد الجيوسياسي لهذا اللقاح، بالاضافة الى التعاون مع بلدان امريكا الجنوبية، وقع معهد فينلاي ومعهد باستور في ايران اتفاقا لاختبار فاعلية "سوبيرانا 2" في ايران خلال المرحلة الثالثة. وسوبيرانا2 هو الاسم الذي اعطي للقاح الكوبي ضد وباء كورنا. وتسعى كوبا الى التوصل الى اول لقاح ضد فيروس كورونا المستجد يتم تطويره وإنتاجه في اميركا اللاتينية، الامر الذي سيثير اهتمام دول أخرى.
هذه الوضعية، وهي تخلف بلاد باستور على المساهمة في ايجاد لقاح ضد وباء كورنا خلفت صدمة في فرنسا وتساؤلات كثيرة، حول اسباب هذا التخلف عن الركب العالمي وعلى معركة جيوسياسية كبيرة ضد وباء شل حركة العالم الاجتماعية والاقتصادية بشكل لم يسبق له مثيل.
وضعت كل بلدان العالم الكبرى امكانياتها في هذه المواجهة الاستثنائية مع وباء كانت عدوانيته وقدرة انتشاره اكبر من كل الاسلحة الفتاكة التي صنعتها الانسانية في القرن الواحد والعشرين.وجعل البلدان الغنية والكبرى هي اول من يستفيد من اللقاح، في حين تنتظر باقي دول العالم حلا يمكنها من الوصول الى اللقاح وتقديمه لمواطنها.
ورغم الفشل القاسي في هذه المعركة ضد الوباء الذي تعرضت له المجموعات الخاصة الفرنسيىة في مجال الصيدلة، فهي تستمر في مجال البحث عن لقاح جديد ضد وباء كونا، لان المعركة ضد وباء كورنا مازالت طويلة ولم تنته بعد، خاصة لا احد يعرف هل وباء كورنا سوف يختفي للأبد ام انه وباء موسمي مثل الزكام سوف يطل علينا كل سنة وسوف يستلزم لقاحا سنويا.