فعلى امتداد طريق الرباط القديمة ( من مركب لانوريا إلى دورة بنسليمان)، قامت الدولة بأكبر عملية مافيوزية مكنتها من "لهريف" على الأراضي ( عامة وخاصة)، وفتحتها في وجه تعمير كئيب وبئيس بتراب بن يخلف، بدعوى إسكان قاطني دور الصفيح من جهة وتوفير عرض سكني لعموم سكان زناتة ومجدبة وفضالة من جهة ثانية.
هناك نموذج واحد للبناء بجماعة بن يخلف: متتاليات من العمارات القبيحة الشكل والفاقدة لأي مسحة جمال، تضم "أقفاصا" سكنية، بدون طرق وبدون مرافق القرب وبدون حدائق وبدون فضاءات للأطفال وبدون ملاعب للشباب وبدون إنارة عمومية وبدون أرصفة بالشوارع، بل وبدون شرطة بحكم أن المنطقة ما زالت تخضع للتقسيم القديم بإخضاعها للدرك حين كانت بن يخلف مجرد فيلاج صغير منذ عهد الاستعمار!
والأفظع أن السلطة العمومية رخصت بحشر قرابة 100 ألف نسمة( للعلم جماعة بن يخلف كانت تضم في إحصاء 2014 حوالي 48 ألف نسمة)، بدون ربطهم بالوحدات الصناعية أو الخدماتية الموجودة بالمحمدية أو بزناتة أو قرب مطار بنسليمان العسكري، بطرق واسعة وبوسائل نقل جماهيرية من قبيل خطوط الطوبيس او الترامواي وما شاكل ذلك. إذ تركت الدولة " سجناء بن يخلف" يتدبرون أمرهم بطرقهم الخاصة: كراول او خطافة أو تريبورتورات، أو بيكوبات، إلخ...
وتبلغ البشاعة ذروتها حين نستحضر أن الدولة- في شخص الحكومة والعمالة والوكالةالحضرية للبيضاء والجماعة الترابية والجهة- رخصوا باستنبات هذه "المجمعات- السجون" على ضفتي طريق الرباط القديمة دون أن تقوم حتى بإلزام المنعشين المستفيدين من هذه الامتيازات، الخيالية بتمويل توسيع الطريق المذكورة وتجهيزها بمدارات وقناطر وطرق فرعية. إذ بسبب تزايد صبيب التنقل بمحور طريق الرباط القديمة ومجاورة المباني لها، أصبح هذا المقطع يعرف اختناقا رهيبا من جهة وأضحى مقبرة لضحايا حوادث السير بسبب كثرة تراقصات السكان من هذه الضفة إلى تلك بطريق الرباط.
إذا كان المغرب مصر على المضي في تكرار هذه البشاعات التعميرية والعمرانية، وإذا كان المسؤولون الحكوميون المحليون ( منتخبون او معينون)، لا يستفيدون من جرائم سابقة ومن فظاعات سابقة في خلق مدن وأقطاب حضرية بدون روح، فما جدوى الاستمرار في إحداث وزارة التعمير والإسكان ووزارة التجهيز؟ مافائدة إرهاق مال الشعب بخلق عمالات وجماعات ترابية ووكالات حضرية ومفتشيات للتعمير؟ ما قيمة استمرار فتح معاهد الهندسة المعمارية والهندسة المدنية والمنظرية إن لم تكن مسخرة لتجويد عيش السكان وتحسين العرض الحضري بمدننا؟ بل ما قيمة انتخاب برلمان وحكومة إن لم ينعكس ذاك على خلق رفاهية ورغد عيش المغاربة: أكانوا بالوسط الحضري او بالوسط القروي؟
فرجاء، ضعوا حدا لهذا الكانيباليزم العقاري والعمراني بمحيطنا،وتوقفوا عن نهش لحم المغرب، ووفروا للمغاربة مدنا تضخ روحا وجمالا ورفاها !