تشغلني هذه الأيام كغيري من المواطنين البريطانيين الأخبار المؤلمة عن الارتفاع الصاروخي لعدد المصابين بفيروس كورونا اللعين، الذي أحال حياتنا إلى شبح موت، ولم أعد أتابع أخبار الهامش من دول عالمنا النامي، وبلادي الجزائر التي زادها صراع الأجنحة فيها بؤسا على بؤس.
وبينما يعاني الجزائريون من نقص فادح في أجهزة التنفس، والمعدات الرئيسية لمواجهة فيروسات الشتاء، اختار حكامها أن يحملوا طائراتهم وما تبقى من أدوية في مستشفياتنا ورحلوا بها إلى نواكشوط، تحت شعار "ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة".. والهدف مناكفة المغرب والتحريض باتجاه تشديد الخناق عليه في معبر الكركرات...
كورونا وموريتانيا والمغرب والبوليساريو والكركرات وغيرها، كلها ملفات للتغطية على حرب إبادة تجري بين أجنحة الحكم الجزائري في الداخل، بعد تبرئة القضاء نهائيا لساحة الرجل الأمني الأول في الجزائر، الجنرال محمد مدين، المشهور بالتوفيق.. وهو إعلان لأمر واقع تم قبل عدة أشهر، حيث تتحدث الكثير من التقارير عن أنه لم يمكث في السجن إلا بضعة أسابيع قبل أن يخرج إلى مكان آمن في أحد الإقامات العسكرية حول العاصمة..
ولعل ما جرى لعدد من قادة الجيش المحسوبين على قائد الجيش الراحل قايد صالح من سجن وتعذيب وقتل وتغييب، يعيد التساؤل عن حقيقة وفاة القايد صالح نفسه، هل كانت وفاة طبيعية، أم أنها عملية اغتيال؟
شخصيا كانت قناعتي منذ اليوم الأول لإعلان وفاة قايد صالح أنها كانت عملية اغتيال مدبرة، وكنت على قناعة بأن الدور سيأتي على واسيني بوعزة، الذي تقول التقارير إنه هو من أوعز للقايد صالح وحرضه على إزاحة قادة جناح التوفيق من الحكم، بل واعتقال التوفيق نفسه.
أزعم أنني أعرف التوفيق جيدا، وهو شخص صعب المراس ولا يقبل بالهزيمة والاستسلام، ولذلك وصفه عارفوه بأنه صانع الرؤساء، بل وأطلق عليه بعضهم "رب الجزائر"، كناية على قوته وقدرته على التحكم في دواليب البلاد.. وهو في الوقت الذي يخوض فيه حربه على خصومه من بقايا قايد صالح في أجهزة الدولة، فهو أيضا يرسم ملامح جزائر المستقبل، في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع فرنسا ثم مع الصين وروسيا..
ولقد كان لافتا للانتباه أن الإعلام الجزائري الذي استقبل الرئيس عبد المجيد تبون بعد أكثر من شهرين من الغياب في ألمانيا بسبب المرض، لم يعد يتابع قضايا الرئاسة ولا نقاش النخبة السياسية عن الدستور وما بعده، بقدر ما هو منشغل بتفاصيل الحرب مع المغرب ودعم البوليساريو، والإعداد ربما لإرسال الجيش إلى دول الجوار في ليبيا ومالي وربما حتى النيجر، وفقا لما تقتضيه أجندة حلفاء الخارج.. وهذه أيضا من أدوات التضليل التي يعمد لها النظام الجزائري في إعادة صياغة المشهد السياسي في الداخل، وأيضا في الإقليم..
ومع أنني أستبعد أن يلجأ النظام الجزائري إلى الدخول في حرب مع المغرب، ليس لأن الظروف المحلية والإقليمية والدولية لا تسمح بذلك، وإنما لأنه داخليا غير مستعد لذلك، مع ذلك فإنه سيستمر في التضليل لجهة الوقوف إلى جانب البوليساريو وحق تقرير المصير، لإعادة ترتيب البيت الداخلي أولا، ثم للإبقاء على مخلب استعماري في شمال إفريقيا، صُنع من أجل إضعاف المنطقة وتفتيتها ليس إلا.
كريم مولاي، خبير أمني جزائري/ لندن