مرت على ميلاد الجزائر كدولة 58 سنة، إذ حصلت على استقلالها عام 1962 . ومنذ ذاك التاريخ إلى اليوم ظلت القاعدة في علاقة المغرب والجزائر هي الجفاء والحدود المغلقة، بينما الاستثتاء هو فتح الحدود.
فمن خلال جرد لهذه العلاقة نجد أن الميزانية الزمنية ل«الإخوة المشتركة» بين الدولتين لم تتعد 11 سنة، في حين مثلت القطيعة بين البلدين 47 سنة. أي أن الجفاء يمثل 82 في المائة من عمر العلاقة بين المغرب والجزائر.
فبعيد حصول الجزائر على الاستقلال عام 1962 سرعان ما دب الخلاف مع المغرب بعد نشوب حرب الرمال عام 1963. ودام الجفاء إلى عام 1969 بمناسبة القمة الإسلامية، حيث لم يدم الانفراج سوى 3 أعوام، إذ أدت الأحداث المسلحة بمولاي بوعزة (إقليم خنيفرة) عام 1973 إلى توتر وإغلاق الحدود. بعدها بعام وقع انفراج على هامش قمة 1974، إلا أنه انفراج كاذب، لأن حرب الصحراء (1975) ستقود من جديد إلى إغلاق الحدود في عهد بومدين. وهو الإغلاق الذي دام إلى حدود 1989 تاريخ لقاء المرحوم الحسن الثاني مع الرئيس الشاذلي بنجديد وما تلاه من إعادة فتح الحدود.
لكن هذه العملية بدورها لم تدم سوى 5 سنوات. حيث سرعان ما أعيد إغلاق الحدود عام 1994 بعدما تورطت الجزائر في الأحداث الإرهابية بفندق أطلس أسني بمراكش، وإصابة سياح أجانب على يد مجموعة إرهابية ممولة ومدربة من طرف الجزائر.
ومنذ ذاك التاريخ ظلت الحدود مغلقة وظل الجفاء رمزا للعلاقة بين البلدين. وهو ما يعني أن «زمن الأخوة المشتركة» و«زمن العروبة» لم يدم سوى 18 في المائة من عمر العلاقة بين المغرب والجزائر منذ عام 1962 إلى اليوم.
إذا كان الأمر كذلك، فباسم «الأخوة» وباسم «الدين» وباسم «التاريخ المشترك» وباسم «المصير المشترك» وباسم «اللغة» وباسم «الجوار» وباسم كل قواميس اللغة الخشبية الني تنهل منها حكومات البلدين تعابير البلاغات والرسائل، يحتاج المغاربة إلى قرار يحدث رجة ويضع حدا لهذا النفاق الديبلوماسي. ولن تحدث تلك الرجة إلا إذا أدار المغرب نهائيا ظهره للجزائر والحسم مع ذاك الوهم الذي ما زال يروجه البعض من أن مصير المغرب «رهين» بمصير الجزائر.
فها هي كوريا الجنوبية لم تحقق إقلاعها إلا حين فجرت «الدمالة» مع كوريا الشمالية( رغم انها من لحمها وشحمها)، وأعلنت القطيعة النهائية معها، لدرجة أن كوريا الجنوبية أصبحت اليوم - وفي ظرف ربع قرن- هي القوة الاقتصادية رقم 12 في العالم التي تهابها دول المعمور.
فقد جربنا النموذج اليساري في الستينات والسبعينات مع الجزائر ولم نربح من ورائه سوى استقواء الجزائر بفصيل مغربي ضد الحكم وخلق جبهة البوليساريو. وجربنا النموذج الإسلاموي في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين مع الجزائر ولم نربح من ورائه سوى تصدير الإرهاب نحو المغرب والتطرف وميلاد العديد من التنظيمات التكفيرية والجهادية.
فلنجرب، إذن ولو خلال عشرية واحدة، نموذج كوريا الجنوبية في علاقتنا مع الجزائر العسكرية، فلربما قد نربح رؤية تنموية مندمجة تؤهل المغرب لتوسيع الفجوة أكثر مع جاره الشرقي.
وإلى أن ترزق الجزائر بحكماء من طينة حكماء أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، آنذاك يمكن للمغرب أن يدرس إمكانية إرجاع العلاقة مع الجزائر الرسمية.