على امتداد القرن التاسع عشر نشبت حروب فظيعة بين ألمانيا وفرنسا، وهي الحروب التي استمرت إلى مطلع القرن العشرين بنشوب الحرب العالمية الأولى بسبب اقتتال هاتين الدولتين على مادتي الفحم والصلب (اللتين كانتا بمثابة النفط في العصر الحالي)، بالنظر إلى أن كل من كان يتحكم في الصلب والفحم آنذاك، كان يتحكم في أوروبا، ومن تحكم في أوربا تحكم في العالم.
وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية التي خاضها هيتلر لرد الاعتبار لما سماه كرامة الألمان وما تلاها من هزيمة جيوشه، تبين لحكماء أوروبا الكبار أن الحل لم يكن هو الانتقام من ألمانيا، بل في تبني حل شامل يحترم مصالح كل الدول ويحترم مصالح أوروبا. وأحسن طريقة للوصول إلى ذلك هي أن تصبح نقطة الخلاف والاقتتال والحروب بمثابة الحجر الأساس للوحدة والائتلاف، فكان ميلاد المجموعة الأوروبية للفحم والصلب Communauté européenne du charbon et de l'acier.
كانت هذه المجموعة المحدثة عام 1954 بمثابة البنية الوحدوية الأولى بأوروبا، إذ توالت بعد ذلك الأجهزة التي أثمرت اتفاق روما عام 1957 المؤسس للسوق الأوربية المشتركة وميلاد أوروبا الموحدة. ورغم أن البدايات الأولى لم تضم سوى 6 ثم 12 دولة فإن الأوروبيين لم ييأسوا وواصلوا إقناع الدول الأخرى بالانخراط في هذه المنظومة إلى أن وصلت اليوم إلى اتحاد أوروبي يضم 27 دولة.
فهل ستتحول الصحراء، وهي البؤرة الخلافية الحادة بين المغرب والجزائر، إلى مصدر وحدة داخل المغرب العربي، أم ستبقى بمثابة الجرح الدامي بالمنطقة؟
سؤال قد تتم الإجابة عنه بيولوجيا وليس سياسيا، أي بعد ذهاب الجيل الحالي بالجيش الجزائري إلى الدار الآخرة. فلربما قد تبرز فجوة تسمح بانسياب الوعي لدى قصر المرادية!