نزار الشعري: أطمح إلى تقريب وجهات النظر التونسية والمغربية لاستعادة أمجاد الإمبراطوريات القديمة التي عاشت على أرضنا

نزار الشعري: أطمح إلى تقريب وجهات النظر التونسية والمغربية لاستعادة أمجاد الإمبراطوريات القديمة التي عاشت على أرضنا نزار الشعري

يعتبر نزار الشعري، رئيس حركة "قرطاج الجديدة"، وهي شبكة جمعيات تسعى إلى إعادة الشباب بكثافة إلى الشأن العام والعمل السياسي، ظاهرة إعلامية وسياسية بامتياز في تونس، فقد تدرج هذا الأربعيني، الذي ولد سنة 1977، بين الاشتغال في مجال التنشيط الإذاعي و التلفزيوني، ثم العمل الجمعوي، قبل أن تقوده ديناميته إلى الترشح لرئاسيات الجمهورية التونسية في 2019 تحت شعار "رئيس جمهورية قرطاج الجديدة".

خلال الحوار الذي خص به أسبوعية "الوطن الآن" والموقع الإخباري "أنفاس بريس"، أكد نزار الشعري، على أن من بين أولوياته، تقريب وجهات النظر التونسية والمغربية من أجل تحقيق الحلم المغاربي واستعادة أمجاد الإمبراطوريات القديمة التي عاشت على أرضنا وكان لها شأن بين الأمم.

 

+ أنت شخصية تونسية متعددة مجال الاشتغال: منشط إذاعي وتلفزيوني، وناشط جمعوي، وخبير في التواصل وصاحب مبادرات خيرية، بالإضافة إلى نشاطك السياسي، فما هي الصفة الأقرب إليك؟

- أنا شخصية متعددة الخبرات والمهارات، شغلت لعشر سنوات في التنشيط الإذاعي بإذاعة صفاقس وثم امتهنت التنشيط التلفزي بالقنوات الرسمية وغير رسمية أيضا. وحاليا أنا رجل أعمال وقيادي على مستوى العمل المدني والجمعوي، ولا أرى نفسي قياديا سياسيا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة.

 

+ البعض يعتبر أن نزار الشعري ظاهرة، وليدة التفاعل السياسي على وسائل التواصل الاجتماعي. هل تتفق مع هذا التصنيف؟

- أنا ظاهرة وليدة التفاعل السياسي الذي يشمل العمل الإعلامي بالأساس، وعلينا ألا ننسى أن الثورة الرقمية وطفرة الأنترنت ساهمت بقلب الأنظمة وبتشكيل الوعي السياسي والمدني في المنطقة، وأنا لست بمعزل عن كل هذا.

أنا موجود في الساحة التونسية منذ تسعينات  القرن الماضي، ولا أنكر فضل الإعلام البديل في دعمي وتسليط الضوء على كل ما أقوم به، لكنني في نفس الوقت أؤمن بقدرة العقل البشري على التطور ومواكبة العصر، وأقصد بذلك الاقبال على برمجة عقولنا وتحديثها بما يتماشى مع مجريات الحياة العامة والحياة السياسية بصفة خاصة، ومن لا يمتلك الآن أدوات التكنولوجيا الحديثة والذكاء الصناعي يٌعتبر جاهلا وفق مقاييس عصرنا الحديث. نعم أنا سياسي مخضرم أقف بين المدرسة السياسية الكلاسيكية والتحولات الرقمية الحديثة.

 

+ ارتبط اسمك بشكل كبير بفوز قيس اسعيد برئاسيات تونس، لدرجة أن هناك من اعتبر أن هذا الفوز يعود الفضل الكبير فيه للدور الدي قمت به خلال الحملة الانتخابية لفائدة قيس سعيد كمستشار، هل هذا صحيح؟

- أعتقد أن الأستاذ الذي فاز بقرابة ثلاث ملايين من الأصوات أي نسبة 72.71 بالمئة، أي حاز على شرعية شعبية غير مسبوقة بتونس لا يستطيع أحد أن يقول بأن هناك من يقف وراءه، ونحن أمام مسار ديمقراطي تابعه كل العالم، فوصول الأستاذ قيس سعيد إلى قصر قرطاج لم أكن أنا سببا فيه، وهو شرف أنا لا أدعيه ولم أدعيه منذ البداية.

 

+ هل أنت راض على حصيلة أداء قيس سعيد، كرئيس للجمهورية التونسية؟

- قيس سعيد رئيس للجمهورية التونسية منذ سنة 2020 التي كانت سنة عصيبة جدا على جميع أنحاء الأرض. ولا أرى أن كل خياراته كانت جيدة، فهو ككل الرؤساء تجربته قابلة للنقد والتقييم. بالنسبة لي، أعتقد أن أداءه كان يمكن أن يكون أفضل. ولكن وبالنظر للظروف الحالية التي تمر بها تونس ويمر بها العالم بصفة أوسع، أعتقد أنه  كان من الصعب على رئيس الجمهورية التحرك، ولاسيما أنه مقيد بدستور 2014 الذي يحد من صلاحيات الرئيس؛ وهذا ما جعل العديد من الأطراف السياسية بالبلاد تطالب بإعادة النظر في النظام السياسي التونسي الحالي، حتى يتمكن الرئيس من التمتع بصلاحيات أوسع، لتصبح مهمته أكثر فاعلية في اتخاذ القرارات.. وهذا مبحث آخر.

 

+ أصدرت سنة 2018 كتاب "تونس في عينايا"، واخترت في كتابته اللهجة التونسية، بدل العربية الفصحى، لماذا هدا الاختيار اللغوي؟

- اختيار اللغة التونسية هو اختيار واع وليس اختيارا اعتباطيا، كما ذكرت ذلك في أول صفحات الكتاب، وأنا لا أعتبرها لهجة، بل أرى فيها لغة قائمة الذات لها قوانينها للغوية ولها معجمها الخاص بها، المستمد من الحضارات التي مرت على تونس عبر العصور. هذا المعجم اللغوي المتعدد يترجم تسامح الذاكرة التونسية مع تنوعها الثقافي، الذي أعتبره مصدر فخر لي؛ وعليه أخترت أن أكتب باللغة التونسية كأي إنسان محب لبلاده وفخور بالهوية والقومية التونسية.. نحن أمة تونسية كما جاء في الكتاب رمز المقاومة التونسية المناضل علي بلهوان في ثلاثينات القرض الماضي في رده على سياسات الاستعمار الفرنسي التي حاولت حينئذ أن تمحو تاريخ البلاد لتسهيل مشروعها الاستعماري  .

 

+ من بين المؤاخذات الموجهة للرئيس قيس سعيد، اختياره مخاطبة الشعب التونسي باللغة العربية الفصحى الكلاسيكية، في حين أن نسبة كبيرة من التونسيين لا يستوعبون مضمون هذه اللغة التي تتطلب قدرا من التكوين؛ من موقعك كخبير في التواصل السياسي، كيف تقيم هدا الأداء من طرف رئيس الجمهورية التونسية؟

- هنا العديد من التونسيين من تروق لهم طريقة قيس سعيد في الحديث بلغة الضاد ويعتبرونها دليلا على العمق الفكري للرئيس، وهناك آخرون يرون أن هذا الاختيار هو شكل من أشكال التكلس اللغوي، والذي لا يواكب العصر؛ وهذا رأي يحترم أيضا.

ولكن ما يهمنا نحن هو الآتي: هل هذا النوع من الخطابات هو ما تحتاجه المرحلة الحالية أم لا؟

بالنسبة لي لا !

لأننا حين نسعى للوصول إلى التونسيين في كل مناطق الجمهورية، علينا أن نخاطبهم باللغة التي يفهمونها، أو بالأحرى علينا التوجه إليهم بلغتهم الأم وهي اللغة التونسية لا العربية الكلاسيكية الفصحى التي لا نتحدث بها داخل بيوتنا. هذا مجال يخص علماء الاجتماع والنفس والذين أجدهم مطالبين اليوم بالبحث فيه وتقدير أي اللغات أكثر نجاعة في الاتصال السياسي.

لأن اللغة في نهاية الأمر ما هي إلا وسيلة للتواصل، وهذه الوسيلة قابلة للتحيين والتطور وما علينا سوى التطوير من آليات الاتصال، وأنا أرى أن العربية الكلاسيكية لغة عمودية تكرس لخطاب علوية السلطة ونخبويتها مما يزيد في الهوة بين المواطن وسلطة الإشراف، في الوقت الذي يشهد فيه العالم طفرة إلكترونية جعلت من كل صاحب هاتف ذكي صانع لمحتوى الكتروني. لذلك بات من الضروري تغيير طريقتنا في الاستعمال اللغوي.

 

+ خضت رئاسيات الجمهورية التونسية في 2019 تحت شعار "رئيس جمهورية قرطاج الجديدة" قبل أن تنسحب لفائدة الرئيس الحالي قيس سعيد، هل سنشاهد نزار الشعري ضمن سباق الرئاسيات المقبلة، علما أن جميع المتتبعين يعلمون علم اليقين طموحك لقيادة دفة الحكم بتونس؟

- في الحقيقة أنا لم اخض فعليا الانتخابات الرئاسية، فلقد قمت بسحب ترشحي قبل تقديمه رسميا، علما أنني كنت قد حصلت على العديد من التزكيات من شباب تونس وصلت الى 1200 تزكية، ولكنني اخترت الانسحاب مبكرا، وقد شرحت ذلك في رسالة التخلي مؤكدا أن كثرة المرشحين لن يخدم إلا المصالح الأجنبية والغير وطنية بالأساس؛ وهذا لن يكون في صالح الديمقراطية التونسية. لذلك غادرت وانسحبت لفائدة شخصية وطنية يجتمع عليها الجميع، وأثبت التاريخ أن قيس سعيد حضي بثقة العديد من التونسيين.

أما بخصوص ترشحي للانتخابات القادمة، لم يحن الوقت بعد لطرح مثل هذا السؤال، و لكني أنا لا أنكر رغبتي في الترشح والمساهمة في إدارة الحكم بتونس بطريقة ديمقراطية؛ وأنا على عهد تونس من أي مكان أتواجد فيه. أنا لا أدخر أي جهد من أجل خدمة البلاد، وحين تتوفر كل الظروف الملائمة لأن أكون في ذلك المنصب التكليفي وليس التشريفي، فالسلطة في نظري ليست غاية بل هي وسيلة تخول لشاب قيادي مثلي أن يحقق أحلام جيل كامل، فأنا أسعى لتحقيق طموحات الشباب وأحلامهم، وأنا اعتبر نفسي قريبا من هذه الشريحة، وإن كنت لا أخول لنفسي التحدث باسمها.

 

+ من بين المؤاخذات التي يواجهك بها خصومك السياسيين، عملك سابقا مع الراحل، الرئيس السابق لتونس زين العابدين بن على، كيف تتعامل مع مثل هذه الانتقادات؟

- هناك الكثير من المؤاخذات الموجهة لي،  ومن بينها أنني عملت مع الرئيس الراحل بن علي في فترة حكمه، وأنا لا أخجل من تاريخي، وأظن أن الأمر كان طبيعيا في تلك الفترة، بالنسبة لشاب يعمل في مجال الإعلام أو غيره. إن تجريم كل من عمل مع النظام السابق بات نوعا من الشيطنة الغير موضوعية في سرد تاريخ البلاد، وكما تعلم أن التاريخ يكتبه المنتصرون. وفي تونس من انتصر في الثورة هو من كتب تاريخ البلاد، أي من كان على خلاف مع النظام السابق، ولكن وبعد قرابة عشر سنوات أثبت واقع الحال أن النظام السابق لم يكن بذلك السوء، ففي كل مجال يوجد الغث والسمين . في الختام سبحان من لا يخطئ، فإن نجحنا فذلك جيد وإن أخطأنا فإننا نتعلم من أخطائنا.

 

+ الوحدة المغاربية، طموح راود أجيالا ضمن الجغرافية المغاربية، أية مكانة يحتلها هذا المبتغى المغاربي ضمن أجندتك السياسية؟

- أنا أنتمي للجيل الذي وصم بحلم بناء المغرب العربي الكبير، هذا البناء المغاربي انطلق في فترة صبايا حيث كانت لي الفرصة أن أشارك في نوادي اليافعين بالمعاهد الثانوية ودور الثقافة في بداية التسعينات التي كانت تسعى لتقريب وجهات النظر بين الشعوب المغاربية. حينها فهم جيلي أن بالمغرب الكبير، شعوب تشبهنا وتشاركنا العادات والتقاليد والمصير أيضا، من أجل ذلك أنا من المؤمنين بضرورة الوحدة المغاربية، فإذا ما توحدنا فعليا سنصير قوة من القوى التي يحسب لها ألف حساب في العالم.

أنا من دعاة تأسيس هذا الحلم وجعله حقيقة من خلال تقريب وجهات النظر بين المثقفين والسياسيين والإعلاميين والرياضين والشباب، اليوم علينا تقريب الأسواق المغاربية المختلفة وإنتاج سوق مغاربية مشتركة لنتمكن من خلق تبادل تجاربي موحد يساهم في ازدهار اقتصادنا المغاربي وينتصر للصناعة المغاربية، بالإضافة إلى خلق فضاءات مدنية لتقريب الرؤى المغاربية في العمل الجمعوي.. أنا أعتبر أن الوحدة السياسية الفعلية هي نتاج لمبادرات فعلية على مستوى ما هو اقتصادي واجتماعي.

        

+ ما رأيك في التحولات، التي تشهدها المملكة المغربية على المستويين السياسي والاقتصادي؟

- أنا من أشد المعجبين حقيقة بالجهود المبذولة بالمملكة المغربية والساعية الى تطوير البلاد وازدهارها، وكان لي شرف زيارة المملكة في العديد من المناسبات، ولي فيها العديد من الأصدقاء من مختلف المجالات في الفن والإعلام والسياسية؛ وفي كل زيارة ألاحظ تطورا، وألاحظ أن رؤية جلالة الملك محمد السادس الاستشرافية تنفذ على أرض الواقع بطريقة محترمة جدا، وتؤكد أن المملكة في مسارها الصحيح نحو الإشعاع الافريقي والمتوسطي والعالمي أيضا.

ختاما، ما أطمح إليه فعليا، هو تقريب وجهات النظر التونسية والمغربية وتحقيق الحلم المغاربي واستعادة أمجاد الإمبراطوريات القديمة التي عاشت على أرضنا وكان لها شأن بين الأمم. لما لا نبني مجدنا مجددا كطائر الفينيق يقوم من تحت الرماد وينفض غباره ويحلق عاليا.