نداء الشيخ الحسين السطاتي: بكايا وشكايا على صحاب الحال في زمن "كوفيد" القتال

نداء الشيخ الحسين السطاتي: بكايا وشكايا على صحاب الحال في زمن "كوفيد" القتال الشيخ "لاجودان" الحسين السطاتي

التحق الفنان الشيخ الحسين السطاتي بسلك الوظيفة العمومية سنة 1994 ، منخرطا في سلك ضباط الصف للدرك الملكي. ورغم الوظيفة الحساسة ظل هاجس فن العيطة يسكنه، حيث بقي قريبا من ممارسيه حتى في المدن التي عمل بها دركيا ضابطا للشرطة القضائية.  لكن خلال صيف سنة 2016، وبعد حصوله على التقاعد النسبي برتبة "أجودان" عاد من جديد إلى الساحة الفنية بنفس الاسم القديم "الحسين السطاتي".

 

 جريدة "أنفاس بريس" ارتأت أن تتقاسم مع القراء رسالة/ نداء الشيخ الحسين السطاتي التي وجهها إلى سعد الدين العثماني رئيس الحكومة التي قررت منع المهرجانات والأعراس والحفلات في زمن كوفيد، دون أن تبدع بديلا للتخفيف من أزمة شيوخ العيطة.

فهل سيصل النداء "عيطة" الحسين السطاتي إلى من يهمه أمر حلحلة أزمة شيوخ العيطة المغربية في زمن كورونا.

 

للورود موسم، وللتفاح موسم، وللخطوبة موسم، ولهجرة الطيور موسم، وللموسيقى كرنفال، كما للعيطة مهرجان. ومن قطوف كل هذه المناسبات الجميلة مجتمعة يتكون موسم الحفلات والأعراس والمهرجانات. موسم برائحة الورود تحيى ظلالها في الشفاه، وأطياف تفاح تضج من دفء الحياء على خدود الحسان.

 

خطوبات يتلوها زواج، وأفراح ينتج عنها رواج، وأنهار من موسيقى احتفالية بكل ألوانها وألحانها بما في ذلك من أهازيج فنية، وقصائد غنائية احتفالية، ومرددات نسائية، وأغاني عيطية.

 

 إنه موسم الصيف، الموسم الكبير في السنة بالنسبة للفنان، وخاصة الموسيقي المغني الذي يبني عليه الأمل ويتذوق فيه حلاوة العمل، ينتظره بفارغ الصبر، ليشارك الناس أفراحهم ويساهم بقسط في تلك السعادة التي تجمع المتحابين ليلة العرس، والمتفرجين لحظة الحفل.

 

إنه الفصل الزاهر لجمع الحطب من أجل التدفئة في فصل الشتاء. إنه موسم الحصاد وجني الثمار، موسم بطعم الفاكهة جميعها، موسم الفروسية "الخيل والتبوريدة"، مرصع بالأفراح والأضواء والنغم، معطر بأريج التقاليد المغربية الأصيلة المغروسة في ذاكرة الوطن.

 

إن الرزق هو الشغل الشاغل للإنسان أينما كان، وكل المهن تسعى إلى الرزق، هذا بديهي والسعي مهم، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وقطع الأرزاق أصعب من قطع الأعناق. فكيف للفنان وخصوصا الموسيقي المغني في هذه الظروف أن يعزف موسيقاه ويغني، يفرح ويُفرح، وهو مكمم ومكبل؟ كيف له أن يسعى إلى رزقه والمسئولين في البلد وضعوا له المتاريس في الطريق والأغلال في الرجلين واليدين، والكمامة على الفم..؟ بعد قرار عدم السماح والترخيص لمزاولة الأنشطة الموسيقية في مجال الأفراح والحفلات والأعراس وحتى بالملاهي الليلية والحانات. بحجة أن هناك مخاوف كثيرة، وقلق من انتقال فيروس كورونا المستجد "كوفيد19"، بين الأشخاص من جراء الاختلاط والازدحام في هذه الأماكن.

 

تفيض الأسئلة على ترانيم الحزن، لماذا هذا المنع لكل ما له علاقة بالفرح والموسيقى، فهل تبت علميا أن فيروس كورونا له حساسية مع الفن والجمال، أم هناك فيروسات خفية تعادي كل ما هو ممتع وجميل..؟!

 

إني أرى وسائل النقل العمومي "حافلات، ترام، قطارات.." تزدحم وتكتظ بالأشخاص، والأسواق والرحبات "تنمل" و "تنغل" وتموج بالخَلق، والحياة تسير كما تسير هذه الناقلات، فلماذا هذا التناقض، ممنوع علينا ومسموح لكم..

وبصفتي فنان شعبي، "كومنجي" ، شيخ مغني ممارس لفن العيطة، متضرر من قرار منع استئناف العمل، الذي أقرته الحكومة بذريعة اتخاذ الاحتياطات لتفادي انتشار عدوى وباء "كورونا"، دون أي دعم أو مساعدة لهذه الشريحة من المجتمع، أشجب وأستنكر هذا القرار..

 

لقد بلغ السيل الزبا، طالت الأزمة، وكثر العياط، وراح كل يعيط عيطته، أصحاب قاعات الأفراح يعيطون، و"النكَافات والسرباية" يعيطون، والأشياخ والشيخات يعيطون، والعرسان يعيطون..فهناك من الفنانين المغنيين والمغنيات من باعوا حاجياتهم وحوائجهم، ومنهم من فاقم هذا الوضع أزمته وطلق زوجته، ومنهم من انتحر... وهناك من عبروا عن عياطهم بنشر تسجيلات "فيدو" عبر مواقع التواصل الاجتماعي يستغيثون ويستنجدون بنبرة التسول لرفع هذا المنع بل لرفع هذا الحصار.

 

 الفنان الموسيقي المغني سواء العصري أو الشعبي محاصر مدة تزيد على خمسة أشهر؛ تحاصره تكاليف الحياة بما في ذلك غلاء المعيشة، ومصاريف الكراء والماء والكهرباء، وحاجيات الزوجة والأبناء، ومتطلبات مناسبات قادمة...فجل المشتغلين بالميدان الموسيقي يجرون ورائهم طابور من الأشخاص..ومن جراء هذا الحيف اتحد جل المتضررين في عيطة واحدة بلحن واحد وهي عيطة : " رخصوا لنا نعمل ولو بشروط نحترمها".

 

من الثابت والمؤكد أن الفنون الحقيقية ليست من لزوم ما يلزم كما يظن البعض، بل إنها البرهان الدائم على مدى تقدم الشعوب ورقيها ورفعتها..وأي زائر لأي عاصمة أوربية يمكنه خلال هذه الأيام ملاحظة طوابير المنتظرين على أبواب المعارض والمتاحف وقاعات الحفلات والملاهي، وآخرها حضور جمهور غفير من المغاربة وغيرهم بمدينة باريس وبالضبط بملهى "خيمتنا" لسهرة فنان العيطة الصديق الشيخ "عابيد السعيدي" والفنانة الشيخة "زهرة الفرح"، وقد حصل هذا في فرنسا التي عانت ومازالت تعاني من ويلات هذا الفيروس.

 

أذكر بحسرة أيام الزمن الجميل، أيام العمل، بحيث أن العمل هو كرامة الشخص، أيام الحفلات والأعراس، وأنا أعزف الكمنجة، في لحظة انتشاء وتجلي فني، مسترسلا في وصلة موسيقى راقصة "الخيلاز"، والشيخة أمامي تتدحرج، وتتشقلب، وتتلولب وهي تؤدي رقصة التمساح "غزلة الموت"، وكأنها بذلك تطلب النجدة، وحالها يقول للمتفرج أنها تموت بيننا ولا أحد يأبه لحالها.

وتستحضرني أبيات من عيطة "دامي"، تلك العيطة المرساوية الرائعة التي تغنى بها الأشياخ والشيخات سنين طويلة، وأجد أن أبياتها تنطبق على حال الفنان المغني في الوقت الراهن والتي يقول مقطعها:

 

"دامي يا دامي....هواك عداني

عداني عداني....مشى وخلاني

القليب وما فيه...الله اللي عالم بيه

سيدي مذا عيطت.....واش أنت ميت

بكايا وشكايا....عليك مولاي

بكايا وشكايا...على صحاب الحال

ايلا طاح قليبي....نكَعدو بيدي

الله يجعل تقليدي...عليك يا سيدي"

 

رغم الظروف وما سبق ذكره، فإنني أقول دائما: لا يأس مع العيطة ولا عيطة مع اليأس. سنين طويلة والمغاربة يستمعون ويستمتعون بقصائد العيطة، فيا ترى هل من سامع لعيطة ناس العيطة؟