كان لتصريح ناصر بوريطة، وزير الخارجية، بخصوص عدم تدخل المغرب لبناء مسجدين بالدانمارك والسويد وقع القنبلة في الوسط السياسي والجمعوي بالمغرب من جهة، وفي صفوف مغاربة العالم من جهة ثانية.
ذلك أن الوزير بوريطة، وفي إطار التوتر الذي يطبع علاقة المغرب مع منظمة "أمنسيتي"، اجتمع مع سفراء دول غربية عديدة، لحتهم على وجوب الانضباط للأعراف الديبلوماسية بشأن تمويل الجمعيات بالمغرب عبر تأكيده على وجوب إخبار وزارة الخارجية من طرف هذه السفارات.
واستشهد وزير الخارجية بنموذج الدنمارك والسويد، بقوله أن المغرب رفض التدخل لبناء مسجد بالدنمارك وآخر بالسويد "احتراما لمبدأ عدم التدخل لتغيير قيم المجتمعات"، وهي إشارة صريحة للسفارات الأجنبية بالرباط التي لا تمول جمعيات معينة بالمغرب "لوجه الله" بقدر ما تمولها لخدمة أجندة غربية معينة!
صورة مركبة لمشهدين من تصميم المسجد المغربي بكوبنهاغن المجمد
"أنفاس بريس"، وفي إطار تتبعها لملف توقف بناء المسجد المغربي بكوبنهاغن، عاصمة الدنمارك، علمت أن الأمر يهم قطعة أرضية تم اقتناؤها من طرف مغاربة الدنمارك عام 2012 بغلاف قدره 16 مليون كورونا (حوالي 2.133 مليون أورو) وساهمت الحكومة المغربية في عملية الشراء بثلث المبلغ (700 ألف أورو). هذه القطعة تبلغ مساحتها 4868 متر مربع، وتوجد جنوب العاصمة كوبنهاغن، وكانت في الأصل في ملكية شركة مشهورة بالدنمارك خاصة بالحافلات اسمها (ARRIVA).
وبعد اقتناء البقعة، شرعت الحكومة المغربية، في شخص وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالتعاون مع مغاربة الدنمارك المنضوون تحت لواء "مؤسسة الإمام مالك" بكوبنهاغن، في إعداد التصاميم والرخص الخاصة بالبناء. وتم تعيين مهندس مغربي للاشراف على بناء المسجد، الذي حددت كلفة في 120مليون كرونا (حوالي 16 مليون أورو).
وحسب التصميم الذي تتوفر "أنفاس بريس" على نسخة منه، فالمشروع كان يشمل بنايتين: بناية خاصة بالمسجد تسع لحوالي2000 مصلي (في شكل طوابق) ومكتبة، وبناية مجاورة للمسجد تضم مطعما وفندقا وبزارا ومحلات تجارية، يخص عوائدها المالية لضمان تسيير المركب الديني وتأمين مختلف نفقاته (أجور الإمام والمستخدمين ونفقات الماء والكهرباء والصيانة)، علاوة على بناء دار للعجزة خاصة بالمغاربة المسنين الذين يجدون مشاكل كبرى في التأقلم مع دور العجزة بكوبنهاغن لاختلاف الطباع والتقاليد والعادات.
وفي الوقت الذي كانت الأمور تسير وفق البرنامج المسطر بين "مؤسسة الإمام مالك" ووزارة الأوقاف من جهة، والسلطات الدنماركية من جهة ثانية، وقع مالم يكن في الحسبان. إذ حدث انقلاب عام 2016 داخل "مؤسسة الإمام مالك"، وهيمن على المؤسسة أناس لا علاقة لهم بالتدين المغربي ويدينون بالولاء لمدارس دينية طاعنة في التطرف.
هذا الانقلاب المذهبي، ترتبت عنه تبعات سلبية خطيرة تجلت في تطاحن تيارات داخل "مؤسسة الإمام مالك" بين مدرسة تنتصر للتدين المغربي، وبين مدرسة تنتصر للتيارات المتطرفة، بل وصلت الأمور إلى مشاداة وشجارات استدعت تدخل الشرطة الدنماركية لفض النزاع، وهو ما أدى إلى تعطيل المشروع وتجميد مسلسل إكمال بناء المركب الديني المغربي بكونبهاغن.
ومن المفارقات أنه في الوقت الذي توجد فيه جالية مغربية مهمة في الدانمارك تقدر بحوالي 15 ألف فرد، ولا يتوفرون على مسجد رسمي، نجد أن قطر، التي لا توجد لديها جالية قطرية بالدنمارك، تدخل على الخط عام 2016 وتشتري محلا تجاريا ضخما (MALL) وتحوله إلى مسجد بغلاف ناهز 240 مليون كرونة (حوالي 32 مليون أورو). ونصبت على هذا المسجد إماما من حركة الاخوان المسلمين ينتمي لحركة النهضة التونسية (يدعى عبد الحميد الحمدي)، وهو المسجد الذي يستقطب حاليا الجالية المسلمة بكونبهاغن، وعلى رأسها الجالية المغربية.
وبرغم هذه الصعوبات التي يواجهها مغاربة الدنمارك، فإن السلطات المغربية أحجمت عن التدخل وتركت لسلطات كوبنهاغن هامشا واسعا لتدبير الخلاف حول المسجد، لكن بالمقابل نجد سفارات دول أوربية معتمدة بالرباط تتصرف في المغرب وكأن الزمن عندها متوقف عند 1912( تاريخ فرض الحماية على المغرب) وتحرك خيوط هذه الجمعية أو تلك بما يخدم أجندة هذه السفارات.