هذه الشهادة التي أدلى بها مسؤول في برنامج «ميد ميديا»، الصحفي الكندي ريال بيرنابي (Real Barnabe)، في ورشة حول الإعلام بتونس (شاركت فيها «الوطن الآن» و«أنفاس بريس»، يومي 24 -25 غشت 2017) تلخص الأجندة المتحكمة في العلاقة بين المنظمات غير الحكومية والدول التي تمول هذه المنظمات. ذلك أن الممولين الدوليين (الحكومات بالأساس)، لما يمنحون الدعم لمنظمة حقوقية أو غيرها يربطون ذلك بتحديد الأهداف، وانطلاقا من تلك الأهداف تحل المنظمات غير الحكومية بالبلد المعني (أو البلدان المعنية) للبحث عن شريك محلي: جمعية محلية أو مركز بحث او ما شاكل ذلك.
ويكفي ضبط خريطة تمويل المنظمات غير الحكومية في العقود الأخيرة لفهم العلاقة بين تحرك هذه المنظمات والأزمات المشتعلة في هذا الحوض الجغرافي أو ذاك بالعالم، كما يسمح ضبط الخريطة بفك شفرة حملة التي تستهدف البلدان.
فمن قبل كانت حملات المنظمات غير الحكومية الغربية، مركزة على أمريكا اللاتينية، بحكم أن أجندة الولايات المتحدة الأمريكية كانت تضع حكم العسكر وبارونات المخدرات في رأس قائمة الأولويات بعد أن استنفدت أغراضها من دعم الديكتاتوريات هناك.
ومن بعد توجهت هذه المنظمات غير الحكومية نحو دول المعسكر الشرقي لتسليط كشافات الضوء عنها، لأن الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وضعا نسف الاتحاد السوفياتي (سابقا) في أجندتهما، وبعد ذلك ركزت المنظمات المعنية على إفريقيا، لأن أمريكا وأوربا ضاعت منهما الأسواق الاقتصادية بسبب الزحف الصيني.
والآن تتمحور حملات المنظمات غير الحكومية الغربية بالأساس على العالم العربي منذ عام 2010 إلى اليوم. وهي حملات تتخذ عدة أشكال من تحويل الأموال إلى الشريك المحلي للمنظمة الدولية بالبلد العربي المعني إلى تكوين القادة الشباب على كيفية إدارة الأزمات وتأجيجها، مرورا بتمويل التدريب على تقنيات استعمال المواقع الاجتماعية والتكنولوجيا الجديدة وتمويل الندوات واللقاءات التي تدور حول الأقليات وما يمكن أن يخدم أجندة الدول الغربية راعية التمويل الأصلي الممنوح للمنظمات غير الحكومية.
هذه الشبكة من التمويلات ، لا تمر مباشرة من الحكومات الغربية إلى الشركاء المحليين بالمغرب أو غيره، بل تمر عبر منظمات غير حكومية أوربية أو أمريكية أو عبر وكالات، هدفها خلق تشبيك بين الجمعيات في البلد المعني لتكسير البنيات القائمة (من نقابات وأحزاب) بحكم أن هذه الوسائط ترفضها أوربا وأمريكا ويفضلون العمل مع الجمعيات، وخاصة مع تلك التي تدخل في خصومة مع الموروث الجماعي للبلد المستهدف.
هذه الجمعيات الغربية تتناغم مع منظمات غربية أخرى تتوفر على نفس الممول من قبيل: «أطباء بلا حدود» أو «مراسلون بلا حدود»...إلخ، بحكم أن هذه الهيآت «كلها أدوات إعلامية وجمعوية وسياسية بيد أوربا وأمريكا لخنق أي دولة.
حجم الأموال الممنوحة من طرف المانحين الغربيين أنتج طبقة محترفة في بلدان الاستقبال بفضل المناصب المالية التي خلقتها هذه التمويلات (مداومين وخبراء ومنتدبين)، حيث أضحى الأجر الخيالي الشهري الذي يحصل عليه ممثلو بعض الجمعيات «شرط وجود» يبرر «الأصل التجاري» لهذه الجمعية أو تلك، مما قاد إلى تحويل بعض «النشطاء الجمعويين» إلى زبناء لدى هذا المانح الدولي أو ذاك.
وأضحى عمل العديد من الجمعيات يخضع لإملاءات الممول، وليس لحاجيات وانتظارات المواطنين الذين ينتمون لمجتمع الجمعيات المعنية. والحالات لا تعدمنا للبرهنة على ذلك سواء باليمن أو تونس أو مصر أو المغرب أو السودان أو العراق وغيرها من البلدان. مما يبرز أن أن تحرك بعض الجمعيات لا يكون « خالصا لوجه الله»، أو هوسا بالترافع عن حقوق معينة لفائدة المجتمع المحلي، بقدر ما يكون تنفيذا « لأجندة» يتحكم فيها عراب ما.
هذا العراب قد يكون في باريس أوفي لندن أوفي بروكسيل أوفي أمستردام أوفي ستوكهولم أو في واشنطن!