يرى د. محمد أحداف، الخبير في علم الإجرام أن عصيان ومقاومة المهاجر المغربي لرجال الأمن في ألمانيا لا يجيز إطلاق الرصاص والذي تسبب في مقتله، مشيرا بأنه لم يكن يشكل خطرا على السلامة البدنية سواء لعامة المارين أو رجال الأمن، وهو الأمر الذي كان يفرض على رجال الأمن الألماني الإستعانة برجال المطافئ لشل حركته، بدل إطلاق الرصاص:
كيف تقرأ حادث إطلاق النار على مهاجر مغربي من طرف البوليس الألماني والذي تسبب في مقتله، وفي أي خانة يمكن إدراجه ؟ علما أن القنصلية المغربية في فرانكفورت دخلت على الخط في هذه النازلة ؟
لابد من الاتفاق أولا؛ حول طبيعة تدخل المصالح القنصلية والدبلوماسية لبلادنا في الخارج. يجب أن يكون هذا التدخل دون طلب من الجمعيات الحقوقية أو من عائلات الضحايا، لأن هذا من صميم عمل المصالح القنصلية والدبلوماسية.
في ما يتصل بملابسات تدخل الشرطة الألمانية، لا أريد أن أصف عملية تدخل الشرطة بعملية القتل، لأن الأصل في عمل رجال الشرطة على الصعيد الدولي وفي جميع دول العالم أن أفرادها ينطلقون في ممارسة مهامهم وتدخلاتهم من مبدأ حسن النية، وتفادي الإضرار بالأشخاص موضوع هذه التدخلات الأمنية بصرف النظر عن مكان هذا التدخل.
ولكن نحن الآن أمام قضية ذات طبيعة مدنية وليست جنائية، إذ تم استدعاء رجال الأمن لإفراغ مهاجر مغربي من مسكنه، والتي انتهت بمحاولة فرار هذا المهاجر وإطلاق الرصاص من طرف البوليس الألماني والذي أدى إلى مقتله كما يظهر ذلك شريط فيديو متداول في الشبكات الإجتماعية ؟
أولا، الأمر يتعلق بمواطن مغربي قد يكون مواطنا لدولة أخرى، فإذا الجنسية لا دخل لها في الحادث، لكي لا يقال بأن رجال الأمن الألمان قاموا بقتله استنادا لجنسيته المغربية، والمسألة الثانية وهي أن رجال الأمن فوجئوا بشخص يرفض تنفيذ قرار الإفراغ من المنزل، وواجه رجال الأمن بقدر معين من العصيان والتمرد وعدم الامتثال، علما أنه في معظم قوانين الدول تجيز العصيان أو المقاومة اللجوء إلى استعمال العنف المشروع.
لكن ألم يكن بإمكان رجال الأمن الألمان إطلاق النار لشل حركة هذا المواطن، دون التسبب في مقتله خصوصا أننا أمام نازلة ذات طبيعة مدنية ؟
أنا لم أقل أن العصيان أو المقاومة يجيز إطلاق النار، قلت في قراءة للوضعية القانونية للفقيد أنه وضمن ملابسات الواقعة يرفض الامتثال، كما أنه واجه رجال الأمن بنوع من العصيان والمقاومة، وبالنظر لكبر سنه لم يستطع بدنيا أن يقاوم، ولكن الخطير في الواقعة هو أنه كان يحمل سلاح أبيضا من الحجم الكبير، ويلوح به بيده، ومع ذلك فإنه لم يكن في اعتقادي يشكل خطرا على السلامة البدنية سواء لعامة المارين أو رجال الأمن، وهنا يمكن القول أن رجال الأمن كان يجب عليهم أن يلتمسوا مساعدة رجال المطافئ من أجل شل حركته.
وكيف يمكن في نظرك تفسير عدد من الشكايات التي يرفعها المهاجرون في مواجهة البوليس الألماني بتهمة ممارسة العنف بدوافع عنصرية، وضمنهم المهاجرة المغربية في ألمانيا خديجة الحمري التي قررت الترافع من أجل قضية الاعتداء عليها عام 2017 من طرف عناصر من الأمن الألماني، لتفاجأ بعدها برفع دعوى مضادة من طرف الأمن الألماني تتهمها بالاعتداء على مجموعة من عناصر الشرطة للضغط عليها من أجل التنازل على القضية ؟
لايمكن القول أن جهاز الأمن الألماني هو جهاز عنصري من أساسه، ففي مقاربتنا للموضوع هو شبيه بالوضع في بلادنا حينما نقول أن المغرب منذ إصدار توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة قرر المغرب الرسمي القطع مع ظاهرة الاختطاف والتعذيب، ولكن هذا لا يعني عدم وجود تجاوزات من رجال الأمن، والمغرب الرسمي يقول إنه إذا وقعت تجاوزات فهي أفعال فردية منعزلة وليست بناء على تعليمات من السلطة السياسية، ونفس الأمر ينطبق على ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فهناك بعض التجاوزات من رجال الأمن، ولا يمكن القول إنها تشكل سياسة عامة لرجال الأمن.
وفي ما يتعلق بنازلة مقتل المهاجر المغربي فأنا شبه متأكد بأنه لو كان رجال الأمن الألمان لو كانوا على علم بمآل القضية لاستعانوا بتدخل رجال المطافئ لأنهم الأولى بالتدخل في مثل هذه الحالات.
وفي ما يتعلق بما أشرت إليه بخصوص المهاجرة المغربية التي تدعي الاعتداء عليها من طرف الأمن الألماني فلا علم لي بتفاصيل هذه القضية لكي أعطي رأيا قاطعا في هذا الموضوع، لكن من الناحية المنطقية يبدو الإدعاء بمهاجمة امرأة لمجموعة من رجال الأمن الألمان غير مقبولا، ونأمل أن يكون رجال الأمن المعنيين إن كانوا فعلا ضحايا أن يكونوا مزودين بكاميرات مثبتة على بدلاتهم تسجل وقائع الاعتداء، وآنذاك يمكن أن نصدق هذه الرواية أو تلك.
وفي الأخير لابد من الإشارة بأن نصف رجال أمن أوروبا غير مسلحين بتاتا ويطلق عليهم شرطة القرب في بلجيكا أو الشرطة البلدية في انجلترا وفرنسا واسبانيا وألمانيا وتخضع لعمدة المدينة، ويطلق عليها أيضا الشرطة الإدارية، وهي التي سنقدم عليها أيضا في المغرب بكل من الرباط والدار البيضاء، وعناصرها لا يحملون السلاح، وهم يتدخلون لحسم الخلافات بين الجيران أو بسبب إثارة الضوضاء في الشارع أو لعب الكرة في الحدائق العمومية، وكثيرا ما عاينت تدخلاتها عند زيارتي لفرنسا.
قلت بأن عناصر الأمن الألماني كان من الأجدر بهم الاستعانة بعناصر الوقاية المدنية لشل حركة المهاجر، فهل هذا يعني أنهم تنقصهم الخبرة الكافية للتعاطي مع قضايا من هذا النوع ؟
لا يمكنني أن أجيب عن هذا السؤال، ولكن في لحظة من مشاهد الفيديو وهو أن الشخص حينما تمت محاصرته فر هاربا وأطلقت الرصاصة من الخلف في لحظة الهرب. ولابد من الإشارة علاقة بهذا الموضوع في بلادنا، فحينما تحال قضية من القضايا على القضاء في إطلاق الرصاص فهو دائما يحاول استجماع شروط إطلاق الرصاص وربطها بوجود خطر حال يهدد السلامة البدنية إما لرجل الأمن مطلق الرصاص أو أحد المواطنين، وفي هذه الحالة فرجل الأمن يدافع عن السلامة البدنية لمواطن آخر، ولا أعتقد أن هذا الشرط يتوافر في مثل هذه الحالة، إلا اذا كان تقدير رجل الأمن الذي أطلق الرصاص أن فرار هذا الشخص وعدم شل حركته يمكن وهو حاملا السلاح الأبيض في يده أن يشكل اعتداء على مواطن في آخر الشارع، اذا حاول منعه من الفرار ودخول شوارع مكتظة بالسكان، لاسيما في ظل تسجيل اعتداءات إرهابية منعزلة بكل من ألمانيا وفرنسا وانجلترا، فإذا تقدير رجل الأمن الذي عاش لحظة فرار الشخص ونواياه يمكن أن تسرد أمام القضاء الألماني وهي التي ستشكل الفيصل أمام القاضي الألماني للقول ما إذا كان الأمر يتعلق بتدخل مشروع أم أنه تجاوز منطقة المشروعية ويشكل فعلا إجراميا يعاقب عليه القانون الجنائي الألماني، وبالتالي يتعين ترتيب الآثار القانونية في ما يتصل بالمسؤولية القانونية لضابط الأمن الذي أطلق الرصاص، وفي هذه الحالة يظل تدخل القنصلية والسفارة المغربية محكوم بمبدأ استقلالية القضاء الألماني، ويتعين على القنصلية مؤازرة عائلة المتوفى بتوكيل محام أو عدة محامين لمؤازرة المتوفى إلى أن يصدر القضاء الألماني قراره النهائي في هذا الموضوع .
لكن الحادث ليس معزولا، حيث تكرر في عدد من البلدان الأوروبية وكذا في الولايا المتحدة الأمريكية في مواجهة المهاجرين، وهو الأمر الذي وقفت عليه عدد من المنظمات الحقوقية والمنظمات المدافعة عن حقوق المهاجرين ؟
بأوروبا، ولاسيما بالولايات المتحدة الأمريكية يعد من غير مقبول بالمطلق عدم الامتثال لتعليمات رجل الأمن، وأعتقد أن عقلية بعض المهاجرين المغاربة حينما يصلون إلى أوروبا، والذين قد يصطدمون في لحظة من حياتهم برجل أمن أو مجموعة من رجال الأمن يطلب منه الامتثال برفع يده إلى الأعلى أو وضع يديه خلف ظهره، أو الجلوس على الطوار، إلى غاية إنهاء رجل الأمن لمهمته تجعلهم يرفضون الإنصياع لرجال الأمن، ومن السهل التأكد من هذا المعطى بمختلف المدن المغربية، فمن النادر أن تجد مواطنا يمتثل لرجال الأمن، وهم يعتقدون أن ما يقومون به في مواجهة رجال الأمن في المغرب يجوز القيام به في بلدان المهجر، وحسب معرفتي فرجال الأمن الأكثر شراسة في هذا الباب هم رجال الأمن الإسبان، فهم يشبهون في تدخلاتهم وفي طريقة تفكيرهم رجال الأمن الأمريكيين، وعلينا أن نلاحظ أن معظم هاته الحالات التي تنتهي بتدخلات عنيفة جدا من أجل إيقاف المعني بالأمر غالبا ما تتعلق بمواطنين أفارقة أو مغاربيين أو أتراك.
( مقاطعا ) يبدو أنك ركزت على فئة معينة من المهاجرين الجانحين الذين يرفضون الامتثال للقانون، ولكن بالمقابل أليست هناك تدخلات لرجال الأمن سواء في أوروبا أو أمريكا تحركها دوافع عنصرية ضد المهاجرين، علما أن تقارير المنظمات المعنية بالدفاع عن المهاجرين أشارت في عدد من المحطات إلى تورط رجال الأمن ؟
صحيح..لايمكن نفي ما قلته، ولكننا بصدد مناقشة الظاهرة، فالمهاجر ومن أجل تفادي حدة العنصرية في تدخلات بعض رجال الأمن في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية عليه أن يمتثل وأن يأخذ القانون مجراه، فحينما تصادف رجل أمن عنصري وتحقق له رغبته الدفينة تجاه المهاجرين عن طريق تعنتك وعدم امتثالك فهذا يعني أنك تمنحه الفرصة المواتية لكي يطرحك أرضا ويقوم بما يشاء من انتهاكات لكي يشفي غليله.