في كل يوم تنصب بالمغرب 10 خيام مخصصة لمآتم العزاء بسبب حوادث السير التي تحصد 10 قتلى في اليوم، ما يرفع العدد إلى حوالي 4000 قتيل في السنة، وهذا ما يجعل المغرب مصنفا في خانة الدول الأكثر انتهاكا للحق في الحياة، والأعلى قتلا للمواطن بسبب حوادث السير، خاصة وأن أسطول السيارات بالمغرب لا يتعدى 3 ملايين ناقلة بشكل لا يبرر كل هذه الخسارات في الأرواح.
وللمقارنة، ففرنسا لها أسطول سيارات يفوق 50 مليون سيارة، بينما عدد القتلى في الطرق لا يتعدى 3000 فرد في السنة! بمعنى أن كل سيارة بالمغرب تقتل 160 فردا في السنة من أصل 100 ألف مواطن، في حين أن معدل القتل لكل سيارة بفرنسا لا يتجاوز 6 أفراد في العام من أصل مائة ألف نسمة. أي أن الفارق بيننا وبين فرنسا في القتل هو 27 مرة!
إذن الخلل لا يكمن في السيارة بطبيعة الحال، بقدر ما يتجلى في التغييب التام لاستراتيجية السلامة الطرقية من طرف أحزابنا ومن طرف منتخبي المجالس الترابية.
وإذا علمنا أن ثلث القتلى بالمغرب هم من ساكنة المدن وثلثي حوادث السير بالبلاد تقع داخل المدينة، آنذاك نعي حجم المخاطر التي تتهدد الراجلين في كل لحظة. هذه المخاطر التي تزداد حدة حينما نقرأ الإحصائيات التي تكشف لنا أن 80 في المائة من القتلى بشوارع المدن هم من الراجلين وأصحاب الدراجات.
وإذا كانت 1503 جماعة محلية بالمغرب تتقاسم أحزان مقتل 7 أشخاص في اليوم ككل، فإن جماعة الدار البيضاء لوحدها تفقد في اليوم 3 أشخاص بسبب حوادث السير، دون أن تبادر المصالح العمومية المعنية إلى التساؤل عن سبب استمرار هذه الطاحونة في حصد المزيد من الضحايا ودون أن تبادر الأجهزة المكلفة إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتحسيس المرء بخطورة ما يتهدد الأطفال والنساء والشباب.
فإذا كان الشارع هو المدخل لقراءة السياسة العمومية لكل بلد ومعرفة كيف يتعامل المسؤولون مع حقوق الراجلين وأصحاب الدراجات، فإن الشارع بالدار البيضاء ينهض كأحسن حجة لتقييم سياسة السلامة الطرقية ببلادنا.
فالاستهلاك السنوي مثلا للصباغة الخاصة بممرات الراجلين بالدار البيضاء لا يتعدى 8 أطنان (8000 كيلوغرام). وإذا استحضرنا ثمن الكيلو الواحد من الصباغة المحدد في 28 درهما، سنجد أن مجموع ما ترصده الدار البيضاء للراجلين هو 224 ألف درهم سنويا، أي ما يمثل 0,000064 في المائة من الميزانية العامة للمدينة، والبالغ حجمها 3 ملايير و50 مليون درهم تقريبا. بمعنى أن مجلس المدينة لا يخصص لحماية حياة البيضاوي سوى 4 دراهم في اليوم، علما أن المبلغ لا يغطي سوى الممرات الموروثة عن الحقبة الاستعمارية أو تلك التي أضيفت باحتشام في العقود الثلاثة الماضية قرب بعض الإدارات أو قرب بعض المدارات.
فـ 8000 كيلوغرام من الصباغة التي تشتريها بلدية الدار البيضاء لا تكفي سوى بالكاد لإنجاز 320 ملتقى طرقيا، والحال أن الدار البيضاء تتوفر على 6000 هكتار من الشوارع والأزقة، وعلى 920 مرفق قرب (مستوصف، مدرسة، نادي نسوي، روض أطفال، دار المسنين، إلخ...)، مما يظهر الفجوة العميقة التي تفصل بين الشعارات وتنزيل حماية الراجلين على أرض الواقع.
نعم، لا يكفي تسطير خطوط بالصباغة البيضاء بالشارع لنطمئن على سلامة أبنائنا، ولكن رفع الاعتماد ليصل إلى 1 في المائة من ميزانية البيضاء لتعميم الممرات الخاصة بالراجلين وتخصيص ممرات للدراجات سيحدث رجة ويبعث رسالة إلى أن السلامة الطرقية أضحت إحدى أولويات الأولويات.
فمن العار أن تجد السلطة العمومية مبررا لتمرير الترامواي، ولا تحرص على إيجاد ممرات خاصة بأصحاب الدراجات والراجلين (Pistes Cyclables).
ومن العار أن يكشف مخطط التنقل PDU بالدار البيضاء عن كون 75 في المائة من التنقلات بالمدينة تتم مشيا على الأقدام، فيما السلطات لا تخصص للراجلين سوى 0,000064 في المائة من الميزانية العامة للراجلين!