سناء بلحسن: الجامعة في زمن جائحة كورونا

سناء بلحسن: الجامعة في زمن جائحة كورونا سناء بلحسن

تعد الجامعة المؤسسة التي تشكل مفترق الطرق لاحتضان محاضن ومجمعات الفكر والعلم وتلاقح الافكار وتبير الاختلاف بطرق سلمية وحضارية. ففي فضاء الجامعة ومؤسساتها يزدهر التعليم في معناه الأعمق للكلمة. وهي أيضا المدينة العلمية ومصير المعرفة داخل المجتمع، كونها مكرسة لمملكة العقل ومقاولة لإنتاج الفكر.

 

فالجامعة، منذ نشأتها وحتى اليوم، مرت بمتغيرات عدة على مستوى البنيات والوظائف، فبالرغم من أن إرث الأكاديمية الأفلاطونية، وكذا الجامعة القروسطية، فللجامعة الحديثة ملامحها وخصائصها.. فجامعة ما بعد الحداثة ستعرف تطورا منقطع النظير مع مرور الزمن، هذا التطور الذي شهدته الجامعة سيكسبها خصائص معينة، حيث ستصبح مكان للامتياز العقلي، والمعرفة الموضوعية، وفضاء متميزا لجميع ومختلف التيارات الفكرية، حيث يسود النقاش والاختلاف، هذه الخصائص والسمات ستصير من محددات هوية الجامعة الجديدة، التي ستشكل المنطق الخاص المتحكم في بنياتها و صيرورة تطورها.

 

وإذا كانت الجامعة في الدول المتقدمة تضطلع بمهام متعددة، في مقدمتها صناعة الإنسان وتغيير الواقع، إلى جانب المهام الكلاسيكية المتمثلة في التكوين والبحث العلمي والتأطير، فإن الجامعة عندنا، فشلت تقريبا في الكثير من الوظائف المنوطة بها. فهي تختزل جميع العناصر المكونة لأزمة النظام التعليمي. يمكن القول معها إن أزمة جامعتنا هي نتاج -لأزمة النظام التربوي- وهي أزمة بنيوية شمولية متعددة الأبعاد والدلالات. فهاته الجامعة، ظلت بعيدة جدا عن تحقيق وظائفها وأدوارها من أهداف معلنة، فهناك تراجع كبير لدورها في التنمية الاجتماعية بسبب الفشل في  إقامة علاقات تبادلية وتكاملية مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي، ومع مختلف المؤسسات والقطاعات الإنتاجية والاجتماعية بشكل عام، وكذا عدم قدرتها على أن تشكل فضاء للتفكير الحر، والبحث العلمي وتكوين الأطر، والمواطنة المستنيرة، ومراكمة ممنهجة للمعارف والخبرات والتجارب الوطنية والكونية، وتحويل كل هذا التراكم المعرفي والقيمي إلى منتوج ثقافي واجتماعي من شأنه المساهمة في تغيير الواقع وصناعة الإنسان الذي نريد. وهذا راجع بالأساس إلى تعدد البرامج واختلافها وعدم استقرارها، فضلا عن عدم دمقرطة التدبير.

 

إن أزمة المآل الذي تعرفه جامعتنا يجعلنا نتساءل :

ما العمل للخروج بالمدينة العلمية من الأزمة التي تعيشها راهنا؟ وكيف نصل إلى جامعة مفعمة بالحياة تعمل على تجاوز نظام يعتمد على التلقي السلبي، وتتحول من منطق التدريس والتلقين إلى منطق التكوين والبحث العلمي؟ وكيف نستطيع تبني مشروع فكري عملي يغير الجامعة ومن تم الواقع؟

 

نعتقد بأن الجامعة هي الكفيلة بخلق مجتمع  متقدم وعصري  ، فهي الوحيدة القمينة بتشكيل صمام أمان يضمن الحد الأدنى من الاستقرار، ويخرجها من واقع مصاب بالجمود إلى واقع جديد يجعل منها تملك الحضور التأسيسي في بناء وتغيير الواقع. لهذا فان مهمة بناء مجتمع متنور، هي عملية غاية في التعقيد، والجامعة بجميع مؤسساتها هي المخولة وحدها للقيام بهذه المهمة. لكن شريطة  إصلاح الجامعة، والتي هي في  حاجة إلى تغيير جذري في بنياتها في ظل الأزمة التي يعرفها العالم اليوم بسبب جائحة كورونا، والتي سرعت من منسوب الانفتاح على التكنولوجيا وإنعاش التعليم عن قرب.

 

وقد جاءت الظروف الاستثنائية المصاحبة لوباء كورونا لتفرض واقعا جديدا وصعبا على الجامعة، والتي لم تكن مؤهلة له ولم يكن أحدا يتوقعه، وفي كل بقاع العالم.

 

ومع ذلك فقد بذلت الدولة وكذا المؤسسات الجامعية المغربية  مجهودا جبارا لتتكيف مع الظروف الجديدة وكذا إكراه الحجر الصحي، واستطاعت هذه الجامعات وبشكل سريع الاستجابة لمتطلبات المرحلة، كما استطاع الأساتذة التأقلم مع النمط التدريسي الجديد، من خلال التدريس عن بعد ومحاولة تقديم المحاضرات بأفضل طريقة ممكنة، للحفاظ على استمرارية التعليم الجامعي. مما يؤكد بالملموس أن الجامعة المغربية تزخر بأطر بكفاءات عليا، الأمر الذي يستوجب تشجيع هذه الكفاءات وتحفيزها، وقانون المالية التعديلي لا ينبغي أن يتجاهل التعليم، البحث العلمي والقطاع الصحي.

 

فلا يمكن النهوض بالمجتمع إلا من خلال تعليم جيد، ينصب على صناعة الإنسان المواطن المتشبع بقيم الاحترام والالتزام، والمدرسة بمفهومها الواسع، هي الآلية القادرة على خلق هذا الإنسان.