قبل الاستعمار كان المغرب يتوفر على مؤسسات لممارسة السلطة وتنفيذ قراراتها تتمثل في القايد والمخزني والمحتسب. ومع توقيع عقد الحماية، تجنب الجنرال اليوطي تكرار نموذج الجزائر وحاول التوفيق بين إدخال جرعات من تحديث الإدارة وبين الحفاظ على ما هو مألوف وموجود من بنيات إدارية تقليدية بالمغرب.
وقام الجنرال ليوطي بتطوير الموروث الإداري والتدبيري الذي سبق وقعد أساسه الجنرال «ألبير داماد» (ALBERT D AMADE) في نونبر 1908 الذي خلق فرق «الكوم»les goumiers لإخماد ثورات الشاوية (خاصة بأولاد سعيد ولمذاكرة) عقب أحداث ميناء البيضاء عام 1907 .
وتأسيسا على هذا الموروث، أحدث ليوطي المحلة السلطانية (أي المخازنية الذي كانوا في خدمة السلطان) وخلق الحرس البلدي بالمدن (8 بلديات آنذاك)، أما في الجانب الدفاعي فاستعمل الكَوم الحربي (LES GOUMIERS).
لكن عقب استسلام فرنسا في الحرب العالمية الثانية بسبب غزو ألمانيا للتراب الفرنسي، اشترط هتلر على فرنسا تقزيم LA dégradation قدراتها العسكرية المنحدرة من المغرب (أي الكَوم)، بحكم أن هتلر عانى كثيرا في الحرب مع «الكَوم» المغاربة لشدة بأسهم .
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، قامت فرنسا بدمج كل هذه الوحدات في خانة واحدة سمتها بـ (les forces Auxiliaires)، أي القوات المساعدة ، لكن بالفرنسية تحمل التسمية مدلولا ناقصا، إن لم نقل قدحيا، على اعتبار أن Auxiliaires تفيد أنها قوات زائدة وليست مهمة ، علما أن التعبير باللغة العربية هو الأسلم «مساعدة» ، وبالتالي كان الأولى أن يتدخل المشرع لتغيير الاسم بالفرنسية إلى (forces d’assistance). من هنا ولدت تلك الدونية التي ظلت النخب تنظر بها إلى جهاز «القوات المساعدة».
لكن مع اندلاع حرب الصحراء وما أظهره المخازنية من بلاء حسن في مواجهة أعداء الوحدة الترابية، لكون أفراد القوات المساعدة كانوا في الخط الأمامي لمواجهة العسكر الجزائري وعناصر البوليساريو، عاد التوهج إلى عناصر هذا الجهاز.
إلا أن المنعطف المهم في تاريخ القوات المساعدة، بل في تاريخ المنظومة الدفاعية والأمنية ككل بالمغرب، سيتم بعد سنة 2000، حيث تحول الورش الأمني (تحديثا وعصرنة وتجهيزا وتكوينا) إلى ورش رئيسي في عهد الملك محمد السادس، وهو الورش الذي تفرع إلى خمسة أضلع: الجيش، الدرك، الأمن الوطني، القوات المساعدة تم الضلع الاستخباراتي بشقيه الداخلي والخارجي. أي أن التهوية التي قام بها المشرع داخل جهاز القوات المساعدة لم تكن معزولة عن إصلاح المنظومة الأمنية ككل.
وبلغ النضج مداه بإصدار ظهير 15 فبراير 2018 الخاص بالقوات المساعدة الذي أغنى الترسانة القانونية الخاصة بهذا الجهاز، وتم بمقتضى هذا الظهير إعادة تنظيم القوات المساعدة ومراجعة النظام الأساسي لأفرادها.
ومن أهم مستجدات هذا الظهير أنه كرس الطابع العسكري للقوات المساعدة مع الحفاظ على مهامها الأصلية وشروط تسخيرها وتعزيز قواعد الانضباط العام داخل صفوفها للحفاظ على جاهزية وحداتها، وهو ما برهنت عليه هذه الوحدات في كل الأحداث والوقائع التي عاشها المغرب، تعلق الأمر بزيارات ملكية او مؤتمرات أو أنشطة رياضية وفنية أو حركات احتجاجية، أو تعلق الأمر بحراسة الحدود البرية والبحرية لتأمين التراب الوطني ضد الأخطار والجرائم العابرة للحدود.
الآن، ونحن نعيش حالة الطوارئ الصحية بسبب جائحة كورونا، ظهر بشكل جلي الدور البارز للقوات المساعدة (إلى جانب عناصر القوة العمومية الأخرى) في ضبط المجال، وهو دور بالإمكان أن يكون أكثر مردودية ونجاعة لو تدخل المشرع وأسند لضباط القوات المساعدة مهام الصفة الضبطية للمساهمة بشكل فعال في حفظ الأمن والنظام العموميين. إذ لو منحت الصفة الضبطية لجهاز القوات المساعدة، ولو على الأقل في الجنح الصغرى (التي تكون فيها غرامات عادية أو تتضمن عقوبات أقل من ثلاثة اشهر)، لأمكن للمغرب ترشيد استعمال كل عناصر المنظومة الأمنية من جهة ولتخفيف العبء عن رجال الشرطة ورجال الدرك من جهة ثانية.
فحين نشاهد مخزنيا وهو يقف في سد إداري لا نشاهد فيه «صنما» أو «إكسسوارا»، بل نشاهد فيه قيم الوفاء والتضحية وروح «الجندي» الذي يحميك بعيونه وحياته. فلنعد إلى القوات المساعدة سموها وشموخها، حتى تغدو القوات المساعدة، قوات «ماردة» بالمعنى الشامخ والنبيل للكلمة.