اختارت جريدة "أنفاس بريس" طيلة شهر رمضان أن تقدم لكم بعض المقتطفات من الترجمة العربية التي قام بها الأستاذ هشام بنعمر بالله لكتاب "المغرب الذي كان" للصحفي البريطاني "والتر هاريس" الذي عاش في طنجة ما بين سنتي 1887 و1921 وعاصر أهم الأحداث التاريخية التي عاشها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
الكاتب والصحفي البريطاني "والتر هاريس" ولج البلاطُ الحسني بوساطة من الحراب البريطاني "السير ماك لين" الذي استقدمه السلطان الحسن الأول لتطوير الجيش المغربي.
كان يتستر تحت غطاء الصحافة مراسلاً صحفياً لجريدة "التايمز" في طنجة لمزاولة مهام استخباراتية دنيئة، وخدمة المصالح القنصلية البريطانية والفرنسية حيث رافق الكثير من السفارات الاوروبية إلى البلاط المغربي. وخلال مقامه الممتد في المغرب ما بين 1887 و1921 بالمغرب ظلَّ يتقرب من مختلف الدوائر والمؤسسات المؤثرة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد عاصر ثلاث سلاطين وتمكن من نسج علاقات مع مكونات المجتمع المغربي (وزراء و موظفو المخزن الشريف، وشيوخ القبائل والزوايا الدينية، بالإضافة إلى اللصوص وقطاع الطرق، وعموم الناس...)
الكتاب حسب المترجم "يرسم صورة قاتمة عن نهاية المخزن المغربي (التقليدي) أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسقوط المغرب في قبضة القوى الاستعمارية الغربية. سقوط يسعى الكاتب من خلال مؤلفه المذكور (المغرب الذي كان) بقليل من الموضوعية إلى تبيان أسبابه ومظاهره بأسى شديد".
نشر الكتاب لأول مرة باللغة الانجليزية تحت عنوان مثير (Moroccothatwas) الذي ارتأى الأستاذ هشام بنعمر بالله ترجمته بالعربية ب "المغرب الذي كان"، عن دار النشر William Blackwood And Son بلندن سنة 1921 بينما صدرت ترجمته الفرنسية عن دار بلونPlon سنة 1929 لبول اودينوPaul Odinot تحت عنوان طويل :
Le Maroc disparu (Anecdotes sur la vie intime de MoulyHafid, de Moulay Abd El Aziz et de Raissouli)
وقد اعتمد الأستاذ هشام بنعمر بالله في الترجمة بالأساس على النسخة الفرنسية التي ذكرناها مع الرجوع، في أكثر من مرة، إلى النسخة الأصلية باللغة الإنجليزية كلما بدا له الأمر ضرورياً لتصحيح الترجمة العربية لتبدو أمينة قدر الإمكان.
رَحل السُّلطان من فاس خلال فصل الصَّيف نحو المنطقة الجنوبية عَابراً جبال الاطلس المُجاورة لقصبة المخزن، نُزولاً إلى وادي زيز الأعلى.
تحتاج هذه الحملة إلى تنظيم مُحكم يتجاوز بكثير الإمكانيات التي يتوفر عليها المغاربة، مهما بلغَ حجم الموارد السَّانحة. لم يتم تقدير الحاجيَّات الغذائية بشكل دقيق حيث لم يكن في استطاعة القبائل الصحراوية تقديمُ الكثير من المؤونة. كان الماء قليلاً ورَديئاً، والحرارة مُرتفعة.
تميَّز سيرُ المحلة السلطانية بالبُطء بسبب الحاجة إلى إخضَاع القبائل التي تعبرها، وتَأخَّر وصُول السُّلطان إلى تَافيلالت إلى غاية اقتراب حُلول فصل الشِّتاء، تتبعُه جيوشٌ مُنهكةٌ تعاني من ارتفاع الحرارة وتَقلُّصِ دوابِّ الرُّكوب.
عادَ السُّلطان من حركة تافيلالت رجُلاً خَائراً. اسْتَفحل مرضُه الدَّاخلي أكثر فأكثر بسبب جسَامة المُهمة، حيث لم ينعم بالرَّاحة الضَّرورية، كما أنه لم يتقيَّد بالنِّظام الغذائي [الحِمية] الذي تتَطلبُه حالته الصِّحية (وضعُه الصِّحي).
مكثَ السلطان بضعة أشهر في عاصمة الجنُوب مراكش، وفي شهر شتنبر من سنة 1894م انصرف لإخماد (فتنة) قبائل تَادلا. خيَّم وسط بلادٍ عدُوَّة، وهناك وافتهُ المنيَّة.
كانت وفاته في هذه الظُّروف هاجساً كبيراً بالنسبة للمخزن. كان المولى الحسَن سُلطاناً مستبداً. تَرك اختفاؤُه المفاجئ البِلاد بدون قائِد، إلى حين تنصيب خليفته. سيؤدي إفشاء خبر الوفاة في مثل هذه الظُّروف، بين قبائل مُناوئة، إلى هَلاك المحلَّة.
تُوفي المولى الحسَن داخل الخيمة السُّلطانية [السِّوان] التي تُحيط بها أخبية من قُماش، حيث لا يُسمح لأيٍّ كان بالدُّخول إليها إلاَّ ناذراً. لم يَعلم (يطَّلِع على خبر) بخبر الوفاة سوى بعض من العَبيد [الخدم]، والحاجب "أبَّا أحمَاد" الذي نَقل أمر السُّلطان بالارتحال عند بداية اليوم، قبل بُزوغ الفَجر.
حُمِلَت المِحفَّة إلى داخِل الخيمَة، وَوُضع في وسطها جثمان السُّلطان الهَالِكُ، وأسدلتِ السَّتائر.