تم يوم الجمعة 7 فبراير 2020، تدشين الساحة العمومية ''الفردوس'' الواقعة في قلب حي الفردوس بعمالة الحي الحسني(بالدارالبيضاء).
هذا المشروع يدفعني لطرح ثلاث ملاحظات:
الملاحظة الأولى منظرية، وتخص طبيعة التهيئة التي خضعت لها الساحة. إذ عمدت السلطات إلى زرع النخيل بالساحة في الوقت الذي كان مأمولا غرس الساحة بالأشجار. فنحن نعرف أن النخيل يلعب دورا تزيينيا، بينما الأشجار تلعب ليس فقط دورا بيئيا بشفط الغبار وتلطيف الهواء فحسب( وهي وظيفة غير متاحة للنخيل بالمدن المكتظة والملوثة)، بل تخلق الأشجار الظل للنساء والعجزة والأطفال الذين يرتادون الساحة للعب أو سرقة سويعة مع جار(ة) أو صديق(ة) وبالتالي تقيهم حر الشمس، فضلا عن كون صيانة الشجر أسهل من صيانة النخيل.
الملاحظة الثانية ترتبط بالثمن. ذلك أن كلفة تهيئة ساحة الفردوس بلغت 3.575.346درهم (أي حوالي 358 مليون سنتيم)، وهو مبلغ يبدو مرتفعا بالنظر إلى صغر مساحة الساحة التي لاتتجاوز نصف هكتار (تحديدا تبلغ المساحة 4447 متر مربع). أي أن كلفة التهيئة بلغت 803 درهما للمتر المربع، في حين أن المتعارف عليه في تهيئة مثل هذه الساحات أن الكلفة تتراوح بين 400 و500 درهم للمتر المربع على أبعد تقدير، أي أن ساحة الفردوس يفترض أن تكون في حدود 180 مليون أو 200 مليون سنتيم وليس 358 مليون سنتيم(طبعا من حق المرء أن يتحفظ طالما لم تتح الإمكانية للاطلاع على كناش التحملات لمعرفة سبب ارتفاع هذه الكلفة).
الملاحظة الثالثة، وهي الأهم في اعتقادي، وهي ذات طبيعة تعميرية. ذلك أن حي الفردوس المجاور لعمالة الحي الحسني يعد من الأحياء الأكثر اكتظاظا من حيث عدد السكان لطبيعة السكن الاجتماعي فيه. وهو من الأحياء التي رخصت لها السلطات العمومية، دون أن تلزم السلطات الشركة (أنجزت المشروع شركة الضحى) بإنجاز بعض المرافق الضرورية في حياة كل حي( ساحات عامة، حدائق القرب، منافذ طرقية لتخفيف الاحتقان المروري، إلخ....). وهذا الفراغ التنظيمي في وثائق التعمير تستغله الحكومة والجماعات والولايات والوكالات الحضرية للتواطؤ مع شركات الإنعاش العقاري( عامة أو خاصة) للترخيص لها بإقامة مجمعات سكنية بدون مرافق ضرورية للقرب من جهة، ويمثل إرهاقا للخزينة العامة التي تضطر من بعد لتمويل إحداث هذه المرافق من جيوب المواطنين من جهة ثانية.
فلو كانت لدينا شبكة مرجعية في تصاميم التهيئة ملزمة للكل بشأن مايجب توفيره من حدائق وطرق ومدارس وأسواق بلدية صغرى وساحات عامة ومسابح صغرى ومعاهد موسيقية....، وأيضا شبكة مرجعية ملزمة للكل تحدد مساحة كل حديقة لكل حي حسب كثافته والمسافة التي تفصل الحدائق والساحات عن التجمعات السكنية، الى غيرها من الضوابط الموجودة في المدن المتمدنة، لما وجدنا أنفسنا بالمغرب أمام كاريانات اسمنتية عمودية بدون روح ame وبدون دفئ إنساني حولت مدننا إلى أبشع سجون حضرية يطيب فيها للمسؤولين إطلاق أسماء خادعة على التجمعات والأحياء السكنية ، مثل حي الفردوس الذي يعد حيا أقرب إلى الجحيم منه إلى الفردوس، بحكم الخصاص الفظيع الذي يشكوه الحي على كافة المستويات.