يزيد البركة وجها لوجه مع مصطفى بوعزيز.. (الحلقة الثانية)

يزيد البركة وجها لوجه مع مصطفى بوعزيز.. (الحلقة الثانية) يزيد البركة

- انكماش نحو اليمينية وانفتاح واسع على الديمقراطية

ما هو المشهد السياسي العام في المجتمع المغربي بعد 20 فبراير، والذي استمر لحد الآن؟ لقد انقسم إلى شطرين أساسيين: شطر اندفع نحو اليمين، والتطلع حتى إلى الديكتاتورية، وشطر اتجه إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية مع اختلافات حول طبيعة هذه العدالة ومداها. كيف حصل هذا؟ لفهم هذا لابد من العودة إلى العوامل الأساسية التي أدت ب 20 فبراير إلى الوقوف في مرحلة مطبوعة بالنضوب وبداية الانحسار، وهي خمسة عوامل، وذلك بقراءة موضوعية بعيدا عن القراءة الشارلوهولمزية (نسبة إلى شارلوك هولمز).

 

بعد خطاب 9 مارس 2011 انعطفت عدة قوى سياسية واجتماعية ونقابية انعطافه حادة بعيدا عن 20 فبراير، وحتى دون أن تفاوض على أن تحصل على بعض المكاسب، مثل الحصول على تقدم في رفع يد الداخلية عن الهندسة والاشراف على الانتخابات، وحل البرلمان، وتكوين حكومة وطنية جامعة.

 

- هكذا كان أول من التحق حزب العدالة والتنمية بالقوة الاجتماعية الأكثر يمينية والتي أسست لجماعات بلطجية تستهدف شباب 20 فبراير، بإصداره لبيان واضح الأهداف السياسية بأن الحزب ضد الحركة وليفرض على شبيبته وبعض الأعضاء الانسحاب منها.

 

- اتخاذ عدد من الأحزاب السياسية والنقابات التي يتواجد أعضاؤها في الشارع مواقف علنية تنوه بالحركة، ومواقف من تحت، تحاصرها وتحول دون تمددها واتساعها بما يعيد إلى الأذهان القول المشهور " قلبي مع علي وسيفي مع معاوية".

 

- هجمة قوية للإعلام العمومي وعدد من وسائل الاعلام الخاصة ضد الحركة وصل إلى التخوين واتخذ خط التشويه ونشر الشائعات والتخويف من العدل والإحسان والطليعة والنهج وتتبع أي هفوة وتضخيمها. وكنت دائما أنسب ما كانت تقوم به هذه الوسائل إلى الأجهزة الأمنية على أساس أنها هي التي تمدها بما يجب أن تنشره، ولم يخطر في ذهني أبدا أن بعض من يحسب على اليسار هم الذين يمدونها بالشائعات والتهجمات وإشارات التخويف من أهداف ثلاثة قوى سياسية.

 

- انسحاب العدل والإحسان من الشارع الشيء الذي ترك عند محيطها الاجتماعي انطباعا أن المشاركة كانت خطأ، وأدى الانسحاب إلى انكماش الجماعة إلى اليمينية والأوتوقراطية بأكثر مما كان عليه الأمر قبل اتخاذ بعض الخطوات المدنية قبل 20 فبراير وأثنائها، وكان تصريح أمينها العام حول الخلافة وحول قتل من مر عليه ثلاثة أيام ولم يبايع، رصاصة الرحمة على كل ما اتخذ لعلاج ثوابت الجماعة الأيديولوجية والسياسية الأكثر رجعية والمعادية لحقوق الانسان، وأدى إلى محو الآثار الإيجابية التي أحدثتها رجة شباب الحركة في محيطها وشبابها وقضت على الأسئلة التي بدأوا يطرحونها. ومعلوم أن قتل من لم يبايع فيها روايات ومنها: "من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية"، وقد يتساءل من ليست له دراية بالفقه الإسلامي: "ولماذا لم تتم مبايعة الأمير الحالي؟" الجواب أنه ليس معصوما ولابد لكي يكون كذلك أن يبارك بالأبخرة الأيديولوجية والسياسية للجماعة، وأن يتحول إلى معاد للحداثة وللمواثيق الدولية.

 

- الدفع بالبلطجية إلى اتخاذ خطوات أكثر عدوانية ضد المسيرات، وقد حضرت مرتين عمليتين لرشق المسيرة من بعيد بالحجارة وهذا طبعا معطى ليس وحيدا لمن يريد أن يكون موضوعيا في البحث عن أسباب انفصال أي فئة اجتماعية عن المسيرات، أوعن تخوفها، وكان لشعارات متطرفة واستفزازية لبعض أفراد الفصائل الطلابية أن كانت أجهزة الامن تغض الطرف عن هؤلاء البلاطجة. ولا أعتقد أن التظاهر في الأحياء الشعبية هو الذي أدى إلى الانحسار، وإلا كيف يمكن تفسير أن عددا من المدن والمراكز لم تغير أبدا مكانها ومع ذلك عاشت هذه الحالة؟

 

ومن الواضح في الحلقة الثانية أعلاه أن حزب الطليعة لم يرفع شعار الجمهورية الذي ذكره المؤرخ ولا احتفظ به تحت الجلباب، ولا كان في النيات ولو أن القانون لا يحاسب على النية، لأن العبرة بالشروع في العمل والتنفيذ، وحتى إذا قصد النيات في حواره فليأت لنا بدليل يعطي ولو مؤشرا واحدا يدل على أن أفراده جميعا اتفقوا على أن يحتفظوا في نياتهم على اعلان الجمهورية في تاريخ معين؟ لا أحد يتمتع بقدر من القوى العقلية يمكنه أن يقتنع بهذه التخيل السريالي ولكن نريد فقط أن نتخيل كل ما يمكن أن يكون وراء هذا الاختلاق ولو كان مزيفا.

 

حزب الطليعة ليس حزبا طفوليا يمكن أن يعتبر منظمة ما منظمة ثورية لمجرد أنها ضد النظام، وهو في نفس الوقت لا يشترط على أي أحد أن يكون اشتراكيا بل فقط تبني الديموقراطية والمواثيق الدولية المرتبطة بالإنسان مما يفرض على تلك المنظمة أن تعيش في هذا العصر.

 

إن النظرة المعبر عنها في الحوار حول الملكية البرلمانية ودستور ديمقراطي شعبي تخلط عن سبق إصرار بين الأهداف السياسية الكبرى وبين الشعارات والمطالب، لا يمكن رفع ملكية برلمانية أو دستور ديمقراطي شعبي من فوق الهوندات وتصدح بها الميكروفونات لكن الشعارات والمطالب نعم يمكن رفعها بتلك الطريقة. حتى يقتنع الفرد بأن الملكية البرلمانية اختفت وحضر الدستور الديمقراطي الشعبي، أو العكس اختفى الدستور الديمقراطي الشعبي وحضرت الملكية البرلمانية عليه أن يدرس الأوراق وينتبه إلى الندوات الصحافية وإلى البيانات، ذلك أن الأهداف حملتها الأوراق المطلبية وتم التعبير عنها في اللقاءات الصحفية. بينما الشعارات والمطالب كان فيها تنوع وابداع لا يمكن لأي متتبع ألا يلاحظهما.

 

حركة 20 فبراير لم تصبح بعد مادة للتاريخ، بل هي في صميم الدروس السياسية، والمحاوَر نفسه تناولها في حواره من منطلق المعالجة السياسية الذي انطلق من موقف معاد للشطر المجتمعي الذي "يندفع" أو يتجه نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتموقع في الوسط بين ما أفرزته 20 فبراير من إيجابيات ومن مسار وما يدخل في صف قوى مضادة للحركة ولمطالبها. إن ما يجري الآن من استمرار الاحتجاج ورفع للمطالب ليس إلا استمرارا للحركة بأشكال أخرى، ومهاجمة الشطر المجتمعي السياسي الذي وقف مع 20 فبراير ليس إلا تكريسا للوضع القائم، لأن من يبني الصف الديمقراطي ويرممه إن كان يحتاج إلى ترميم ينطلق مما هو إيجابي تم إفرازه من حركة مجتمعية ما وليس إعادة خطاب القوى المضادة بعد عشر سنوات.

 

لقد أدى الانقلاب الذي حصل في ميزان القوى لصالح القوى اليمينية ولصالح الأكثر يمينية أن خرجت عدة أوساط بتصريحات تدفع المجتمع نحو اليمينية ومنها حتى من كان عضوا في اللجنة التي تتلقى المذكرات حول مشروع الدستور وقد أصدر حزب الطليعة بيانا حول تصريحاتها يجده الأصدقاء والقراء في آخر المقال، ولم يفوت الرد على العلامة الأولى التي ظهرت وتنبئ على ملامح المرحلة البئيسة التي ما نزال نعيشها، ويقيني أن هذا الخطاب الذي يسعى إلى تشويه تاريخ حزب الطليعة بجعله مسؤولا عن انحسار 20 فبراير كان سيكون له مكان في البيان أسفله لو أعلن في ذلك الوقت.

 

التأكيد على أن مقاطعة الانتخابات التشريعية التي جرت في 25 أكتوبر 2011 هي اندفاع يدل على وجود نية ما، على أن الحملة آتية، ستأتي على كل شيء، خفة في التحليل لا تليق لا بالمؤرخ ولا بالسياسي، فمع أن 20 فبراير أغلبها شبابي فإن أكثر من ثلثي أعضاء وعضوات الحزبين: الاشتراكي الموحد والطليعة كانوا في الشارع، ومن يقول بالمشاركة في الانتخابات إما أنه مع أن يصوت بنعم على مشروع الدستور ويوقف بالتالي مشاركته منذ هذا التاريخ على الأقل، وإما أنه يقصد أن ينقلبا هما أيضا على قواعدهما الشبيبية وعلى محيطهما الجماهيري ويخوضان الانتخابات بقيادتهما فقط، هذا بدون الأخذ بعين الاعتبار الكثير من الاعتبارات الأخلاقية النضالية.

 

(انتهى)
 

ملحق بالمقال:

بيان اللجنة المركزية بشأن مراجعة الدستور، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي

"لقد وقفت اللجنة المركزية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، المجتمعة بصفة استثنائية يوم 9 ابريل 2011 للخروج بمقترحات إضافية بشأن مراجعة الدستور، على المستجدات المطلبية والنضالية لحركة 20 فبراير وموقف الحكم منها، وعلى تصريحات متعلقة بمراجعة الدستور وصادرة عن السادة محمد الطوزي، عضو اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور والطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية، والمجلس العلمي الأعلى، مؤسسة رسمية تحت الوصاية الملكية، وأصدر البيان التالي:

أولا يسجل الحزب:

-  بأن الحكم، في الوقت الذي يتظاهر بتوسيع دائرة تلقي اقتراحات المراجعة من مختلف المنظمات والهيئات، عبر اللجنة التي شكلها خارج المعايير الديمقراطية، فإنه ظل متجاهلا للمطالب المشروعة الشعبية التي نادت بها حركة 20 فبراير وكافة القوى الوطنية الديمقراطية المساندة لها، وهي المطالب التي لا تحتمل أي تأخير للشروع في تنفيذها والتي من بينها، على وجه المثال: حل البرلمان المزور والحكومة الهشة التي لم تفرزها صناديق الاقتراع الحر النزيه وتشكيل حكومة ائتلاف وطني مؤقتة تكون من بين مهامها الأولية الشروع الفوري في: القضاء على كافة أنواع الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري والقضائي، وفي الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المختطفين، وفي تطبيق قاعدة عدم الإفلات من العقاب في مواجهة المسؤولين عن الفساد وشركائهم، وفي جعل الإعلام العمومي فضاء منفتحا على مختلف التوجهات والأفكار والانتقادات، وفي تفعيل كافة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة للطبقة العاملة.

ثانيا: يسجل الحزب كذلك:

- 1- بأن ما جاء في تصريح السيد محمد الطوزي، عضو اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، من كون "... الملكية البرلمانية الحقة تبقى بعيدة المنال في الظرف الحالي بالمغرب لأن البلاد تفتقر إلى طبقة سياسية ناضجة وذات مصداقية وتتمتع بثقة المواطنين...":

- يعتبر، تضليلا وتبخيسا لوجهة نظر دون أخرى معروضة على اللجنة قبل أن تعلن هذه الأخيرة تقييمها لجميع ما قدم إليها.

- وإلى حد الآن لم تعلن اللجنة عن موقفها من التصريح المذكور لعضو منها الأمر الذي يعني، ضمنيا، بأنها موافقة عليه الشيء الذي يزيد في إضعاف مركزها وعدم مصداقيتها.

- 2- إن ما جاء في تصريح، وزير الخارجية، حول سقف التعديلات الدستورية من كون " الملك سيحتفظ بقطاعات الخارجية والدفاع.." يعتبر وجهة نظر مرفوضة ليس فقط على مستوى دستور 1996 الموعود بمراجعة شاملة وعميقة له، وإنما، بالإضافة لذلك، فهو تصريح لا يمكن إلا أن يدين الحكومة التي ينتمي إليها لأنها لم تحرك ساكنا في الموضوع، الأمر الذي يعني أنها ضد رغبات الشعب الذي يطالب برحيلها وبالقطع دستوريا وعمليا، مع ما يسمى بوزراء السيادة...

- 3- وجاء في بيان المجلس العلمي الأعلى في موضوع الإصلاحات الدستورية من كون "... حالة المغرب السياسية والحقوقية حالة متميزة بما تم إلى الآن تحقيقه من الإصلاح والإنصاف والتنمية وبناء عليه لا يجوز لأحد بأي دعوى متطرفة كانت أن يدعو إلى الإنكار والجحود والاستنساخ... وأن الدعوة إلى إلغاء الفساد.. لابد أن تكون شاملة تطال، إلى جانب الإصلاح السياسي والإداري، الفساد العقدي والأخلاقي.. عندما تكون بعض مظاهر هذا الفساد ضارة بالأغلبية الساحقة من المواطنين.."

- ويرى الحزب بأن البيان المذكور ينطوي على عدة مخاطر، سواء من ناحية الشكل أو من ناحية الموضوع:

من الناحية الشكلية: فالبيان صادر عن المجلس العلمي الأعلى الذي هو مؤسسة رسمية محدثة بظهير وأعضاؤها معينون بظهير وتابعة لوصاية الملك ولا تجتمع إلا بدعوة من الملك بناء على جدول أعمال محدد يصادق عليه، وتنبثق، من بين أعضائه، هيئة عليا مكلفة، وحدها، بإصدار الفتاوي الرامية إلى بيان حكم الشريعة الإسلامية في القضايا ذات الصبغة العامة.

وكون المجلس العلمي مؤسسة رسمية يعني أن الدولة المغربية، سمحت لأحد أجهزتها الرسمية، باسم الشرع، بأن تخوض في المسألة الدستورية وأن تعتبر بعض الآراء المطروحة في مراجعة الدستور نوعا من الإنكار والجحود ومن الفساد العقدي والأخلاقي..، محاولة بذلك: تأليب الجماهير على هذه الآراء، والتأثير والتوجيه لعمل اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور.

ومن الناحية الموضوعية، فإن محتويات البيان بعيدة عن الموضوعية والوضوح والدقة والتحديد، لأنها لم تكشف عن:

- محتوى "الإنكار والجحود والاستنساخ" ومن يدعون له...

- ومحتوى "الدعوة المتطرفة" وأصحابها.

- ونوع "الفساد العقدي والأخلاقي" والمروجون له..

- إن البيان في الوقت الذي أعلن عن موقف العلماء من إمارة المؤمنين لم يفصح عن موقفه:

- من مبدأ كون الشعب هو مصدر كل السلطات كما تنص على ذلك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب.

- ومن حركة 20 فبراير، التي لا تكتفي بالمطالبة بمراجعة شاملة للدستور وإنما بالنضال الملموس من أجل الشروع الفوري في القضاء على كافة أنواع ومظاهر الفساد والتي من بينها نهب المال العام والسطو على الأراضي وتفويت ممتلكات الشعب إلى ثلة من المفسدين..

- إن حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، في الوقت الذي يرفض كل ما جاء في التصريحات والبيانات المذكورة يؤكد أنه سيظل يقظا ومستعدا لاتخاذ المواقف المناسبة وعزمه على الاستمرار في الفضح والتصدي لكافة أنواع التضليل والتعتيم على المطالب المشروعة للجماهير الشعبية وفي مقدمتها تحقيق دستور ديمقراطي وعلى متابعة النضال مع القوى والحركات الديمقراطية من أجل تحقيق مجتمع الكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

اللجنة المركزية الرباط  9 أبريل 2011".