وأنا أشرب فنجان قهوة مع صديق لي مهندس قناطر وطرق متقاعد، إذا به يفاتحني بشأن مقال منشور بجريدتنا الإلكترونية «أنفاس بريس» تحت عنوان: «هروبا للأمام.. الوزير عمارة يحمل مسؤولية تآكل حوالي 500 قنطرة لظروف مناخية!!».
أوضحت لزميلي أنه في البلدان المعروفة بقساوة المناخ كالثلوج التي تدوم لأكثـر من ستة أشهر في السنة أو المعروفة بكثـرة الأعاصير الخطيرة، نجد بأن بنيتها التحتية (من طرق وقناطر) تتميز بجودة عالية وتدوم طويلا إن لم نقل إلى الأبد!
أجابني صديقي بأنه في المغرب لما يخفق المهندس في إنجاز مشروع ما، يتحايل على الوزير لتمرير أكذوبة معينة ويجعل الوزير يبتلع «la pilule».، مبرزا أن الوزير الذي يبتلع الطعم يظن أن المواطن سيبتلع بدوره la pillule.
ذلك أن مهندس الأشغال العمومية لما ينجز البنيات التحتية، عليه أن يأخذ بعين الاعتبار جميع المعطيات والعوامل والإكراهات الطبيعية والمناخية كي تدوم المنشأة الفنية مدة طويلة جدا. كما أن مهندس الأشغال العمومية، أثناء تصميمه للبنية التحتية، يجب عليه أن يستحضر جميع الجوانب المرتبطة بالمشروع من صيانة وإمكانية توسيع الطريق والقنطرة وإمكانية ربطها بالمجال المجاور لها مستقبلا.
فبالرجوع إلى وزارة الأشغال العمومية في التسعينات نجد أن مديرية الطرق كانت تخصص نصف ميزانيتها لصيانة البنية التحتية، ولنا شاهد عيان على ما نقول.
فشكيب بنموسى، الذي يرأس الآن اللجنة الملكية الخاصة بصياغة النموذج التنموي، كان هو المسؤول عن مديرية الطرق آنذاك. وبسبب تآكل بنيتنا الطرقية، أظن أن أول ورش على بنموسى استحضاره اليوم هو وضع «مخطط مارشال» للنهوض بالبنية التحتية بالمغرب.
الوزير اعمارة، إما أنه ابتلع la pillule وإما أنه يحتقر ذكاء المغاربة. إذ يكفي الرجوع إلى تصريح الوزير في سنة 2017، حيث أخبرنا آنذاك: بأن ثلث المنشآت الفنية (القناطر) توجد، من ناحية حالة الحفظ (état de conservation) دون المستوى، وأن أكثر من 885 منشأة فنية متدهورة للغاية، وأن المغرب يضم 2614 منشأة فنية (قنطرة) من نوع الغاطسة (submersible)، وأن 110 منشأة فنية محدودة الحمولة، أي لا تتحمل مرور بعض الشاحنات والقافلات ومنها على الخصوص القافلات العسكرية، وأن نحو 3037 منشأة فنية ضيقة لا تتسع لمرور السيارات والشاحنات بأمان.
ولمعالجة هذا الوضع، صرح وزير التجهيز بأن هناك حاجة إلى غلاف إجمالي يناهز 12 مليار درهم من أجل إعادة تأهيل المنشآت الفنية وصيانتها، منها ملياري درهم خاصة بالقناطر الآلية للسقوط و10 ملايير، لإعادة بناء القناطر الغاطسة والقناطر الضيقة والقناطر ضعيفة الحمولة.
رغم مرور ثلاث سنوات على هذا التشخيص، نلاحظ أن حالة البنية التحتية زادت في التدهور، وأن الكلفة الخاصة لإصلاحها وصيانتها تضاعفت مرتين.
وحين انهارت قنطرة بإقليم تاونات في أبريل 2019، سارعت وزارة التجهيز كالعادة، إلى تحميل الحادث لسائق الشاحنة، بينما أن أحد الأسباب التي جعلت القنطرة تنهار هو إهمال صيانتها من طرف الوزارة.
ولما «تفرش الوزير وتورق» اهتدى سيادته إلى أسطوانة أخرى، مفادها أن القناطر التي نمر فوقها كل مرة قد تنهار بنا بسبب الظروف المناخية !
كان على الوزير أن يتحلى بالشجاعة ويخبرنا أين تم تبذير الملايير المرصودة لصيانة الطرق والقناطر، وبأي طريقة صرفت، ومن هي الجهة المتورطة في التبذير؟! ذلك أن صيانة قنطرة ما قد لا يتجاوز 100 و200 ألف درهم. لكن، عند إهمال الصيانة، فإن الإصلاح أو إعادة البناء يكلف ما بين 8 و20 مليون درهم، والأمثلة على ما نقول كثيرة.
فعلى سبيل المثال، فإن صيانة القنطرة الموجودة على واد تيزغيت (Oued Tizguit) على الطريق الوطنية رقم 6 بجهة فاس مكناس، لم تكن تتطلب حسب الخبراء، سوى 400 ألف درهم. لكن، بسبب إهمال الصيانة وأشياء أخرى مفصلة في تقرير توصل به الرباح بصفته الوزير السابق للتجهيز والنقل، فقد أضاعت الدولة ميزانية تفوق 12 مليون درهم لإصلاح القنطرة مرتين على التوالي. وكمثال آخر، فبسبب إهمال الصيانة انهارت قنطرتين ما بين تازة والحسيمة خصصت الدولة لكل واحدة منهما أكثر من 20 مليون درهم، واللائحة طويلة لا يكفي المقام هنا لسردها.
رحم الله العهد الذي كان فيه محمد القباج وزيرا للتجهيز في الثمانينات من القرن الماضي. إذ رغم الأزمات المالية الخانقة التي عرفها المغرب آنذاك، فقد تشبث الوزير محمد القباج بضرورة عدم تقليص الميزانيات المخصصة لصيانة البنية التحتية وممتلكات المملكة ومنشآتها بحكم معرفته بخطورة وعواقب تقليص ميزانيات الصيانة. وقد عزز القباج موقفه بدراسة أنجزها مكتب الدراسات BCEOM بالمشاركة مع المختبر العمومي للدراسات، ورفض الرضوخ لتوصيات صندوق النقد الدولي وأفلح في إلزام الدولة بتخصيص الميزانيات الضرورية للحفاظ على ممتلكات المملكة.
فاحذروا من تبذير ممتلكات المملكة على يد الوزير اعمارة!