حين كان المغرب يتهيأ لنظام وحدة المدينة في عام 2003، شحذ كل المسؤولين أسلحتهم لإقناع الرأي العام بصواب اعتماد هذا النظام في الدار البيضاء والمدن الخمس الكبرى الأخرى.
ومن ضمن المبررات التي صاغها آنذاك كلا من العمدة محمد ساجد والوالي إدريس بنهيمة، أن الدار البيضاء تتميز بفوضى في تسمية الشوارع والأزقة، بحكم أن الولاية كانت مقسمة إلى 27 جماعة محلية، وكل جماعة كانت "سيدة قرارها" في اختيار الاسم الذي يناسبها أو ترغب في إطلاقه على ساحة أو شارع بشكل جعل الأسماء تتكرر في عدة أحياء.
تأسيسا على ذلك تم إيهام المواطنين أن الدار البيضاء ستستعيد سيادتها في توحيد أسماء الأزقة والشوارع وتحقق تناغما بين مكونات كل حوض سكاني: مثلا في الحي الفلاني سيتم إطلاق أسماء الشعراء والكتاب والمثقفين المغاربة على الأزقة والشوارع، وفي الحي الفلاني سيتم اختيار أسماء الشوارع والساحات من حقل دلالي مرتبط بالورود والأزهار، وفي حي ثالث سيتم الاقتصار على إطلاق أسماء الرياضيين والفنانين المغاربة على الفضاءات العامة، وفي الحي الرابع سيتم انتقاء الأسماء من خانة الشهداء والوطنيين والأئمة المتنورين، وهكذا ذواليك.
لكن للأسف الشديد بدل منح الدارالبيضاء هوية خاصة بشوارعها، رأينا تسابقا محموما ومذموما بين المقاطعات ومجلس المدينة لإطلاق الأسماء على الشوارع بدون بوصلة وبدون شبكة مرجعية أو خيط ناظم.
والدليل هاهي الدار البيضاء الآن تضم أزيد من 400 زنقة وشارع تتكرر فيها الأسماء في أحيائها ثلاث او أربع مرات وكان "البيت ليس فيه رب يحميه": لا عمدة يخاف الله ولا والي يرتعد من يوم الحساب. 447 منتخب بالبيضاء "يشرقون" والوالي وثمانية عمال "يغربون" !
المثير "للفقصة"، أن السلطة(منتخبة وترابية)، مازالت ماضية في هذا العبث والاستهتار. بدليل أن الجماعة أطلقت اسم أبوبكر القادري على شارع كبير بسيدي معروف يمتد من حي الأعمال "زينيت" إلى الحي الصناعي مرورا بحي المستقبل ومقر عمالة عين الشق، وفي نفس الوقت تم إطلاق اسم أبو بكر القادري بتراب عمالة الحي الحسني من حي الليمون إلى مدار عزبان ! علما أن العمالتين متجاورتين ولا يفصل بينهما سوى ممر السكك الحديدية !
ليس هذا وكفى، بل تم إطلاق اسم عبد الله باها على الطريق1077 بالحي الصناعي ليساسفة( وهو الشارع المار بجوار حي إيسلان بالنسيم)، وفي نفس الوقت تم إطلاق اسم عبد الله باها على شارع بمقاطعة مولاي رشيد بالمنطقة الحاضنة لإعادة إسكان دور الصفيح بدوار الحفرة في اتجاه قنطرة المدار الجنوبي.
نفس الشيئ يصدق على شوارع الخطابي وزفزاف وعبد الله إبراهيم والعبدي وغيرها كثير.
إن استهتار سلطات الدار البيضاء ينهض كحجة على أن آخر شئ يمكن أن يفكر فيه المسؤولون هو التشوير وأسماء الشوارع والأزقة، هذا القطاع الذي يعد بمثابة "الطفل اليتيم" بالجماعات الترابية وبالعمالات والولايات بالمغرب.
ربما لأنه قطاع ليس فيه "همزة عقارية " أو "همزة مالية" أو همزة سياسية" أو همزة إدارية".