عبد المجيد مومر: يا بنكيران.. إِنَّ لِأَنْجِيلاَ مِيرْكَلْ مِثْلُ حَظِّ الذَّكَرَيْنِ..

عبد المجيد مومر: يا بنكيران.. إِنَّ لِأَنْجِيلاَ مِيرْكَلْ مِثْلُ حَظِّ الذَّكَرَيْنِ.. عبد المجيد مومر

"وَ قَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ"، غافر، 30.

 

إِنَّ دَرَجَة القوامةِ بالقسطِ من أعلَى درجاتِ الفَضْلِ الرَّبَّانِي الذِي يُؤْتِيهِ اللهُ منَ يشاءُ من عبادِه رجلاً كانَ أو إمرأةً. ولعلَّ خدمةَ الوطنِ والمواطناتِ والمُواطِنين، تدخلُ في نِطاقِ هذا المبدأ القُرآني الراقي حيثُ أنَّ نُبْلَ السياسةِ وحُسْنَ الكِيَّاسَةِ يَنْبَنِيَّانِ عَلَى أَسَاسِ العدلِ بينَ النَّاسِ وأَدَاءِ الأماناتِ إلى أَهْلِهَا.

 

كمَا أنَّ السياسي الصالحَ لِمُجْتَمَعِهِ يَبْني سُمْعَتَهُ بينَ الناسِّ على كفَاءَةِ القُوَّةِ والأمانَةِ، باعْتبارِهِما مُؤَهِّلَيْنِ لاَ محيدَ عنهُما لِتأْدِيةِ وَظيفَتِهِ المِحْوَرِيَّةِ في تدبيرِ الشأنِ العامِّ.

 

وحيثُ أنَّ الشَّيءَ بالشيءِ يُذْكَرُ؛ فلا بأس من التَّأَملِ فِي غَاياتِ القِوَامَةِ بالمُقارَنَةِ بينَ شَخْصِيَّتَيْنِ تَرْتَبِطُ أَسَامِيهُمَا بِأَحْزابٍ لهَا مَرجِعيَّة دِينِيَّة، وتَتعلقُ المُقَارَنَةُ بين كُلٍّ منْ: السيدة أَنْجِيلاَ ميركل والسيد عبد الِإله بنكيران. فَالشَّخْصِيَّة الأولَى تُمَثِّلُ مَرجِعِيَّةَ حزبٍ ألماني مسيحي، والثانيةُ تَعْتَنِقُ مِلَّةَ حزبٍ مغربي إسلامي.

 

نعم.. فَالشَّخْصِيَّة الأولَى تنتمي إِلى قَوْمٍ وَلُّوا امرأةً عَلَى أُمورِ حُكومَتِهم فَرَاكَمَتِ النجاحَ، حتَّى أعادوا تجديدَ الثقةِ فيها للمرة الرابعة على التوالي. ورغم بعضِ النَّواقِصِ المرصودَة إلاَّ أنَّ التجربةَ الحكومية للسيدة ميركل أنجيلا، تميَّزَت بِالجمعِ المحمودِ بينَ نظافةِ اليَدِ والنَّجاعَة في تدبيرِ الأزماتِ التِي وَاجَهَهَا المجتمع الألماني بشكلٍ جعلَ من ألمانيا قوةً اقتصاديةً مَنيعَةً، وبذلكَ اسْتَحَقَّت المرأةُ ميركل درجةَ القوامةِ الصالحةِ بمَا وَعَدَتْ بِهِ وبِمَا حَقَّقَتْهُ من مُنجزاتٍ عَظِيمَةٍ على أرضِ الواقِع الأَلْمَاني.

 

أَمَّا الشخْصيَّةُ التالِيةُ، فَهُوَ السيد عبد الإله بنكيران ذاكَ الرجلُ المُنتَمي لِحزبِ العدالة والتنميةِ ذِي المرجعيةِ "الإسلاميةِ"، والذِي دَبَّرَ أَمْرَ الحكومةِ السابِقَةِ بِقُوةِ العَفْوِ عَمَّا سَلفَ من فسادٍ، وَأَنْهَى وِلاَيَتَهُ بخيانةِ الأمانة الشَّعبيَّة والتَّملُّصِ من المسؤولية السياسية بعدَ فَشَلِهِ في إِنْجَازِ وعودِه الانتخَابيةِ.

 

ثمَّ كانتِ النتيجةُ إغراقَ ميزانيةِ الدولةِ المَغْرِبيةِ في قَعْرِ مُحيطِ المَدْيُونِية المُظْلِمِ، ورَمْيِ الشبابِ في أَخَادِيدِ البطالةِ القاتلَة. والأَدْهَى من ذلكَ تسفيه هَيْبَةِ الدَّوْلَة وَتَشْكيك العقولِ في جِديَّةِ اخْتِيارِهَا الديمقراطي بمَا يَنْفُثُهُ من سمُومِ الكَذِبِ و الدَّجَلِ. و لِأَجْلِ هَذَا اسْتَحَقّ الرجلُ بنكيران دركَ القِوامةِ الطَّالِحةِ.

 

قد تَختلفُ مَوَاقِعُ رئاسةِ الحكومة بين تَفَاصيلِ التجاربِ الدستورية المُقارَنَة، غير أن مُؤَهلاتِ القُوَّة والأمانةِ تَجْتَمِعُ حَوْلَهَا عقولُ جميع التجارب الحزبية الناجحة في العالم.

 

وَإِذَا كَانَت "الخَطيئَة الأَصليَّة" مُرتبطةً بالمرأةِ من أعماقِ التأويلِ الدينِي المسيحِي، فإنَّ النصِّ القرآني لمْ يُلْصِق إِثْمَ "الخطيئةِ الأصليَّة" بالمرأة لِمُفْرَدِهَا. وجاءَتْ أنوارُ الحداثةِ فاسْتَطاعَتْ تحريرَ الفكرِ المَسِيحِي الألماني وعَقْلَنَتْ وظائِفَهُ بشكلٍ جعلَ للمرأةِ مقامًا قياديًا تَوَّجَتْهُ السيدة أنجيلا ميركل بِسِتَّة عشرة عَامًا من العَطَاءِ الجَزِيلِ.

 

وعلَى النَّقِيضِ من تَمَيُّزِ ديمقراطيةِ الحزب المسيحي وقُوَّتِهِ في مواجهةِ التحديات الاقتصادية وأَمانَتِهِ في العمل بِمُحاصَرة الفسادِ؛ نَجدُ أَنَّ حَظَّ تَجْرِبَة السيد عبد الإله بنكيران، وأضفْ إِلِيهَا وِلاَيَةَ زَمِيلَهِ في الحِزْبِ سعد الدين العثماني، هَذا الحَظُّ يَجُوزْ اخْتِصَارُهُ بالحساب العَقْلاني مِثْلَمَا يَلِي: "أَعْطُوا لِأَنْجِيلاَ مِيرْكِلْ أَكْثَر من حَظِّ الذَّكَرِينْ".

 

هَكَذَا كَانَ الذِي كَانَ، وهَكَذَا سَيَكونُ المَعْنَى الوَحِيدَ لِهَذِهِ الرسالة تَذْكِيرُ فِرْعَوْن الإِخْوَانِ الذي يُحاوِل الانْفِلاتَ منْ قَبْضَةِ البِطَالَةِ السيَّاسية عَبْرَ تَزْيِّيفَ حَقَائقِ تَجربَتِه الفاشِلَة في تدبير الشأن العامِ، والتِي جعلُوهَا (هُوَ وعُصْبَتُهُ) منْ حَلاَلِ فَيْءِ غزواتِهمُ الانْتِخابِية .

 

فَهَا هُوَ بِنكيران يَنِطُّ -من جديد- فوقَ ذَا وذاكَ، وَيَتَحَيَّرُ -منْ جَدِيدٍ- هنَا و هُناكَ؛ مُشِيعًا مُتَشَيَّعًا لِخُرافةِ القَائِدِ المُنْقِذِ. وَلِأَنَّ جرائمَ بنكيران ظَهَرَتْ آثَارُهَا علَى الجَميعِ، فَلَيْسَ حَديثُهُ عنِ اجْتِنَابِ الكَذِبِ إلاَّ بَقْبَقَاتُ دَاعِيَّة النِّفَاقِ السياسي والفَدْلَكَة الشَّعْبَويَّة.

 

وعِنْدَ الخَتْمِ يَجوزُ لنَا تَجْدِيدُ النَّصِيحَة لِبِنْكِيرَان "فِرْعَونُ" تِلْكَ اللَّمَّةِ الإِخْوَانِيَّة الجَدِيدَة: "وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَ صدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ"، غافر 36 ،37.

 

- عبد المجيد مومر الزيراوي، شاعر وكاتب رأي، رئيس تيار ولاد الشعب بحزب الاتحاد الاشتراكي