وأول قرار مهيكل للتراب الفرنسي لضمان جاذبيته، كان هو التفكير في خلق مطار جديد وضخم يكون ليس مجرد مفتاح فرنسا لولوج العالم، بل ليكون أيضا هو الباب الذي يعبر منه كل من يود الولوج لأوروبا. من هنا القرار الذي اتخذ عام 1964، ببناء مطار رواسي شارل دوغول (بضاحية باريز) الذي افتتح عام 1974 وجعل فرنسا الآن تجني ثمار سيادتها الجوية على أوربا (شأنها شأن بريطانيا مع مطار هيثرو وألمانيا مع مطار فرانكفورت).
في المغرب، حيث تنشغل الطبقة السياسية والمالية حاليا، بصياغة نموذج تنموي جديد، نجد أن مفاتيح نمو المغرب لن تستقيم إلا إذا وضعت السلطات العمومية على رأس الأجندة، الحاجة لتمكين المغرب من جيل جديد من المطارات الدولية، عبر برمجة بناء مطار ضخم خاص بالخطوط الدولية مع كل دول العالم عامة ومع إفريقيا خاصة، بالنظر إلى أن مطار محمد الخامس بالدار البيضاء وصل إلى مرحلة الإشباع، ولم يعد بمقدوره لعب الدور الاستراتيجي الذي يمكن أن يتماشى مع السياسة الإفريقية للبلاد. الدليل على ذلك أن شركة الخطوط الملكية لوحدها تنقل في خطوطها الإفريقية حوالي مليوني مسافر، أي ما يمثل 26 في المائة من مجموع مسافريها، وهذه النسبة مرشحة للتزايد في السنوات القادمة، بحكم أن الدار البيضاء تحولت إلى منصة Hub بين إفريقيا وباقي دول العالم.
إن المغرب مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن يؤمن ريادته في هذا المجال حتى لا يفاجأ غدا أو بعد غد بنبأ صادم مفاده أن دولا إفريقية صاعدة كإثيوبيا أو رواندا تبنت الفكرة ومرت إلى السرعة القصوى لبناء المطار الضخم.
فإذا كان المغرب في عهد الملك محمد السادس (في العشرين سنة الماضية) قد اهتم بالبنية التحتية الطرقية من أوطوروت وطرق سريعة، وبالبنية المينائية (طنجة ميد، ناظور ميد، ثم الداخلة الأطلسي المبرمج حاليا) وتصالح مع البنية السككية (البراق)، فإن المغرب مطالب اليوم بأن ينتقل من سرعة الطريق وسرعة الباخرة وسرعة التيجيفي إلى السرعة الجوية لإكمال الحلقة La boucle.
على المغرب في العشرية القادمة أن يسير بـ10 آلاف قدم (العلو الذي يعزز سرعة الطيران)، وإذا قلنا سرعة 10 آلاف قدم، فمعنى ذلك سرعة 1000 كلم/ساعة، وفي حالة مقارنة ذلك مع سرعة البراق، نجد أننا مطالبون بمضاعفة السرعة ثلاث مرات في العشرية القادمة، لنتدارك أعطابنا وتأهيل بلادنا.
لا يهم موقع المطار الدولي الجديد: قد يكون بضواحي الدار البيضاء أو بضواحي سطات أو حتى بضواحي سيدي بنور (فالمهندسون المتخصصون وذوي الاختصاص الأمني والعسكري قادرون على حل المعادلة)، ولكن الأهم هو أن نجيب عن سؤال: من سيكون الرائد إفريقيا؟ هل المغرب أم دول أخرى؟
فإلى عهد قريب كنا أسياد القارة الإفريقية وكنا حاملي مشعل الفتح الإسلامي بالقارة السمراء، واليوم علينا أن ننفض الغبار عن تاريخنا ونبين للناشئة (أي الأجيال القادمة) أن أجدادهم المغاربة كانت لهم جسور بل وجذور مع إفريقيا. وبالتالي علينا استثمار هذا الموروث وهذا الرأسمال التاريخي، ليكون لنا موطئ قدم في القارة الافريقية التي يتنافس عليها اليوم أقطاب العالم: من روس وميريكان وشينوا وجابون وأيضا أقطاب إقليميون كالبرازيل وكوريا وتركيا.
فالناقة سمحت للمغرب بأن يشع إفريقيا وعالميا في عهد مضى، فلم لا نوظف المطار الدولي والطائرة (ونحن نحتضن معظم فاعلي الطيران بقطب النواصر) لنؤمن للمغرب إشعاعا قاريا وعالميا؟!