الحجج لا تعدمنا للبرهنة على الاستهتار بالمصلحة العامة وللبرهنة على احتقار السلطة العمومية لنضج المغاربة، لكن حسبنا هنا في هذا المقام الاستشهاد بواقعة فاضحة تتمثل في توقيع اتفاقية ملاءمة خدمات الكهرباء والإنارة العمومية بتراب ولاية البيضاء أمام الملك محمد السادس في شتنبر 2014 ولحد الساعة لم ينفذ أي شيء من الالتزامات التي تضمنتها الصفحات العشر من تلك الاتفاقية، رغم مرور خمسة أعوام!!
من وقع الاتفاقية؟
هم: وزير الداخلية، وزير المالية، وزير الطاقة، والي الدار البيضاء، عمدة البيضاء، مدير عام المكتب الوطني للكهرباء (ONEE).
ماذا تقول الاتفاقية؟
تنص الاتفاقية على وجوب إنصاف سكان ضاحية الدارالبيضاء وتمتيعهم بالحق في المساواة مع إخوانهم القاطنين في وسط المدينة في التمتع بخدمات جيدة وناجعة في الكهرباء والإنارة العمومية، علما أن سكان ضاحية ولاية الدار البيضاء (التقسيم الترابي القديم وليس التقطيع الجهوي الحالي) هم الذين يضخون الملايير في خزينة المدينة بفعل توسع حركية التعمير من جهة وتوسيع وعاء الأحياء الصناعية والخدماتية من جهة ثانية، خاصة بأحياء سيدي معروف وأهل الغلام والنسيم وليساسفة وسيدي عثمان الممتد وحزام عين الشق إلخ.. بشكل جعل الخدمات المقدمة في الماء والكهرباء لاتتناسب مع المجهود الضريبي والاستثماري البارز على أرض الواقع. من هنا الخلل الذي برز، بشكل جعل السلطات العمومية مكتوفة الأيادي لمطالبة شركة «ليدك» بتعميم خدماتها إلى الحزام الضاحوي لولاية البيضاء، بحكم أن هذا الحزام يستغله المكتب الوطني للكهرباء وليس «ليدك»، وبالتالي كان لزاما تصحيح الوضع. ومما فاقم الوضع أكثر أن السلطة المركزية قررت عام 2009 تمديد المدار الحضري للدار البيضاء من شارع عبد القادر الصحراوي إلى المدار الجنوبي الغربي ولم تنتبه السلطة إلى أن قرارها سيضر بحوالي 650 ألف نسمة يقطنون بسيدي معروف والأزهر وأناسي والنسيم وليساسفة ولهراويين الشمالية وأهل الغلام والمستقبل وشيماء وإيسلان والزبير وفرح السلام وجنان اللوز وغيرها. إذ بجرة قلم واحد وجد حوالي 20 في المائة من سكان بلدية الدار البيضاء أنفسهم في ساندويتش بين شركة «ليدك» والمكتب الوطني للكهرباء. فإذا وقع عطب كهربائي بهذه الضاحية تتقاذف الشركتان المسؤولية، في ما المواطن والمقاولات يتحملان تبعات «التسخسيخ» وسوء الخدمة رغم أن المواطن والشركات بالضاحية تسددان الواجبات المالية دون أن ينعموا بالخدمة الجيدة إسوة بما يجري بوسط البيضاء.
وللتكفير عن هذا الحيف وقعت الأطراف المذكورة اتفاقية الملاءمة Harmonisation أمام الملك لإنصاف ضاحية الدار البيضاء ودمجها تحت نفوذ «ليدك» بدل المكتب الوطني للكهرباء، وشكلت لجنة تقنية للخبرة ترأسها عامل عين الشق ولجنة للتتبع ترأسها والي الدار البيضاء تضم ممثلي المصالح الحكومية المعنية بالجهة، ثم لجنة مركزية للقيادة تضم وزراء القطاعات الموقعة ومدير المكتب الوطني للكهرباء والمدير العام للوكالات والمصالح ذات الامتياز.
لكن ما أن غادر الملك الدار البيضاء في نفس الشهر من نفس السنة، حتى تم إقبار كل تلك الالتزامات ووقع بلوكاج لا أحد يعرف أسبابه أو من يحرك خيوطه ويتحكم في زرع الألغام في وجه المشروع.
وأمام هذا الاستهتار الحكومي والعمومي تعطلت عجلة الاستثمار بضاحية الدار البيضاء التي لم يعد الضرر يمس فقط مصالح 650 ألف نسمة بحزام بلدية البيضاء، بل وطالت الأضرار سكان العمالات الضاحوية المجاورة للعاصمة الاقتصادية المتمثلة في عمالة وإقليمي: المحمدية والنواصر ومديونة التي تضم مجتمعة 910.932 نسمة، أي في المجموع يصل حجم المتضررين من إقبار التزام وقع أمام الملك عام 2014 إلى 1.560.932 نسمة. (أي حوالي 5 في المائة من مجموع سكان المغرب).
من هنا مشروعية التساؤل:
- ما جدوى توقيع الاتفاقيات أمام الملك إن كانت الحكومة تستهتر بالالتزامات ولا تنفذها رغم مرور خمسة أعوام:
- ما دور البرلمان الذي لا يناقش مثل هذه القضايا لسن القوانين للفصل في النزاعات بين مؤسسة عمومية وجماعات ترابية وشركة خاصة بالبيضاء؟
- ما دور العمدة الذي لا يفعل اختصاصاته للمطالبة بتمتيع سكان البيضاء بنفس الخدمات وبنفس الجودة؟
- ما دور الوالي كمنسق بين المصالح العمومية وكممثل للدولة في تراب نفوذه؟
- لماذا يتم الترخيص بإحداث تجزئات وإقامات سكنية وأحياء صناعية ومناطق خدماتية في ضاحية غير
مشمولة باتفاق قانوني وبإطار تنظيمي وتشريعي؟!